سلايدرمقالات

وفاء العنزي تكتب من المغرب ” حالة دفء

 

الحياة عبارة عن مكان مظلم ،وشارع كبير به طوفانامن الهرج والمرج،وحضارة مادية غزت القلوب واكتسحت النفوس وسكنت البيوت واتلفت العقول ودمرت العلاقات، وبالرغم من جميع الأشياء الجميلة التي نفعلها لنشعر بالسعادة ،قد تصادف أحيانا الواحد منا ظروفا تجبره أن يبتعد،ويبتعد،ويبعد عنه كل شيء،لينعزل عن العالم لساعات،بل لأيام وشهور،فالوحدة أحيانا مؤلمة لكنها تغنيك عن محبة كاذبة وتبقى أحد الحلول للهروب من ضجيج الحياة، لكن اكتمالها وهم.
حين يستوطنني الألم ارتمي في غسق الليل لتكون الوحدة أنيس لي
كنت أتكرر بشكل مريب،أتألم بنفس الطريقة،أعاني من كوني أنا، ربما لأن طاقتي قد نفذت تماما ليال طويلة وباغتتني على النوم في غير موعده لأنني أتفاجئ كل يوم بخيبة جديدة تجعلني أحتفظ بتلك التفاصيل على شكل ندبات تركها الزمن بقلبي،فالكثير من التجارب لم تكتمل والكثير أيضا من العلاقات لم نغص في أعماقها خشية الخذلان،هكذا أنا ،عندما أعجز عن البوح أحمل نزفي وأرحل إلى وحدتي بعيدا عن قلوب تغلفت بالقسوة، فجهزت عذري قبل حقائبي وانعزلت ،فلم تعد لي طاقة بملاطفة أحدهم بل أمسى الحديث مع الناس يجلب لي الملل والقلق،فبحث عن الانزواء والجلوس وحيدة مع الموسيقى الهادئة،أبحث بين أوتارهاعن بقايا شعور فقدته،ابحث عن أجزائي ، وأشلائي التي أصبحت متناثرة هنا وهناك، حتى تساقط مني الوقت،وتجاوزتني الأشياء وإن لم أتجاوزها،وبكل ليلة كان يغمرني شعور جميل حينما كنت أفرط بالسهر،وأثمل في رسم أحلامي،
وحاولت وسط هذه العزلة ان أجعل الحياة ممكنة التحمل، لكي لا تهرب عني ملامحي ويهاجمني اليأس ويهجرني قلمي،وتصبح الوحدة وحشا ينهش أنفاسي،
وتضيع روحي وتتراقص نبضات قلبي على غصة تملأه إلى فمه النازف،حتى يصبح حلقي جاف كصحراءخامدة في الداخل،فلعل روحي تشتهي من يفهمها فقط،فمرارا أحن لحديث هادئ لطيف لكني أتذكر ان الصمت يكون أكثر إخلاصا لأحاسيسي الغير المرتبةفأصمت،لأشتكي سرا مرارة حيرتي في دنيا فانية وسط قلوب قاسية.
ولا يغرنك قناع صمتي،فقد اعتدت ان اقدس الوجع وأخبئه في دهاليز ذاكرتي،اعتدت أن أحضن حزن الأرض وأنقى أشواك الألم مني وارمي بها في أقاصي كهوفي السرية،اعتدت أن أسير وحيدةو الحياة تحت نغمات حزن صامت بفؤادي،فطال طريقي،وبالطريق الف حكاية وحكاية….بدأت بقلب بريئ يرسم حلمه ويعيش يومه وينقش طريقه بيده ورود الامل،ويريح في كل محطة ليعانق طبق ذكرياته ويلون لوحة أيامه الجميلة،قلب توهم في صغره أنه سيفرح حين يكبر…..وانتهت الحكاية،عفوا هي لم تنته بعد…..هي تنتظر شموع الفرح التي أطفأتها متاهات الحياة.
فقد ضمني الوجع بين الحنايا وكابر وكابرت معه،بل أصبح وجعي عصي الفهم. اتجرعه كل لحظة،فتنساب أدمعي، لدرجة انه لم تبقى لي لا أبجديات ولا مقاييس المفروض ألا افرط فيها،لأعيش لحظة حداد احتراما لأحلام اغتالها القدر.
فأتوقف للحظات واضعة يدي على قلبي،أقول دائما أنه سيستجيب،فهو الخالق العظيم الذي لا تفوته تنهيدة قلب،فأنا احمل في جسدي قلبا،مرهف الإحساس لا يعرف للمكر ولا للخداع طريق،قلب يتألم ولا يتكلم،يبكي ولا يصرخ، يضحك ويخفي حزن الأيام،قلب يؤمن بالحب دون أي اعتبارات أخرى،قلب يتمنى أن لا يدرج في صفحات النسيان،لي قلب واحد.
احتجت لعزلة وسكون كي أفكر، فأنا كلما فتحت صفحة وجدتها أسوأ من التي تسبقها،عزلة ضربت أعماق قلبي النابض في الأرض الحية فجعلت الأشياء ناضجة وإن لم تزرع نبتا، فأصبحت عيون قلبي في حداد،فالحداد ليس في ما نرتديه بل فيما نراه،
وعشت ممزقة انا وتائهة، بين نضوج عقلي وطفولة قلبي، انه قلب طفلة ذاقت من فقر العزلة فأطلقت الشجون على أوتار الكلمات لتحلق معهم في العلياء،عشت أفضع فقر ،وأحلك أيام
فهل تعتقدون اني حين انعزلت ،ساصبح بخير؟
ليتكم سمعتم ضجيج قلبي وأدركتم أنه يصرخ بصمت،فالصمت أبلغ من متاهات الكلام……
وفي ذات يوم ودون سابق إنذار ،عانقني الفرح وهب على وجهي نسيم رقيق ناعم ،ولامس خذي شعاع لطيف، وانشرح صدري لقطرات مطر أحيت شرايين قلبي،فنبض وليس أي نبض ،وقبل ان اغفو التحفت عباءة من الأحلام وقلت أهو حلم أم حقيقة؟
هل فعلا سأعود للدنيا بقلب باسم مبتسم لا حزن فيه ولا دموع ولا ملام،وعندما سيسألونني عن عزلتي،ووحدتي سأخبرهم اني أصبحت أسعد امرأة في الكون،فقلبي الواحد الوحيد لم أزاحمه بالوجوه ولا الجروح ولا بالوداعات والخسارات،فقلبي قلب حفظته لواحد حفظ لي قلبه،فلم تعد في العمر متسع لمزيد من الأشخاص الخطأ.
سعيدة انا ببساتين وأزهار مشتل جاب قلبي ، ورحيق تواصل دائم معي وشهد المحبة والإخلاص والوفاء لي وعسل الاهتمام بي، حتى أدمنت وجوده أفتقده في كل حين،أحتسي معه أكوابا من العشق والمحبة.،فهل يا ترى دق قلبي لدقات حبيب ونبض قلب محب أحبني فعلا؟
فألف سلام على حب ذاك القلب الذي ضمني ،وأطفأ ألمي وجعل مني امرأة خمسينية ،عشرينية،لا تحتاج الى عكاز الصبر،ولم ينزع مني عطري الياسميني واعترف لي بقصائد الحنين،سلام على حب اكتفيت به ولم أكتفي منه،فقد أحببته دفعة واحدة لدرجة اني نسيت أن أحتفظ بجزء من قلبي لنفسي،يكفيني أن أجد من يرد علي ويقول لي” أنا هنا لأجلك حبيبتي،”سأكتفي به ولن أتذكر إلا هو،فهو الذي أسعدني يوما وغير ذلك لا أتذكر شيئا،فليدم لي شيئا جميلا لا ينتهي حبه ولا ينضب نبضه.
محبتي بلا ضفاف ولا كفاف وفاء العنزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى