مقالات

وفاء العنزي تكتب من المغرب ” حضني لك وطن

وحضني لك وطن
حن قلبي للقاء أحبتي هناك، فأمسكت قلمي وجعلته ينساب بين أصابعي وينثر ما خفي من شوق وإحساس دفين عله يطفئ لهيبا يشتعل بداخلي، سئمت واكتفيت من الكلام فآثرت الصمت، بقلمي أداوي مهجتي، وبقلمي أكتب ما عجز عنه لساني، أدعه يتكلم عني لينسج حديثا ساحرا،صادقا،ويطلق لخيالي العنان فهو لا يطاوعني أحيانا ويفضحني أحيانا اخرى،فوضعت له خطوطا حمراء لا يتجاوزها،وغالبا ما لا تسعفني دمعتي رفيقة وحدتي لتنزل متسللة على خذي.
نعم وحدتي ،بجوف الليل ليزورني مرارا شيطان الحزن، الذي لا يترك لي مفرا من كلمات وهمسات حزينة أشعر على إثرها بألم يكابر قلبي، فقد أبدو قوية ملبدة بالأحاسيس، قاسية كجبل راسخ،لكن داخلي قلب ممزق لألف قطعة،فأنا التي مزق القدر حلمها ولعبت الأيام بحبها وطارت الفرحة بحزنها ،فالفرح يوهمني بالبقاء ويمضي حين اسهو عنه ،فهو دائما يخونني وصرت أخاف على قلبي ان يفرح كثيرا …كم هو مؤلم! الروح في غربة والجسم في وطن.
فمجرد ما بدأت القلوب تزف لنسائم رمضان، برائحته التي تزداد يوما بعد يوم لتعلن مجيئه، وتبدأ قصة جميلة وليالي روحانية فيها شهر كريم سحورو صيام، إفطار وقيام وقراءة ما تيسر من الذكر الحكيم، حتى عصف بي حزن غير من نفسيتي.
لا أدري من أين ابدا ؟وكيف ابدا ؟وكيف ستكون مائدة الإفطار دونك؟ فكل الحروف تتسابق إليك شوقا كشوق قلبي المحترق على بعدك عني، أفتقد وجودك بقلبي، والعالم يعيش انتشار وباء متسلط لئيم شرس، تأبط سلاحه وتحالف مع الموت وصار يحصد الأرواح هنا وهناك دون رحمة ولا شفقة، يجعلني أترقب سماع حالات الإصابة اوخبر الوفاة ويختلج قلبي خوفا عليك ،فأنت بضعة مني، وغلة موسمي، غاب قمرك بغيابك. عشتي في حضني طفلة رقيقة كقطرة ندى،ناعمة كزهرة، وأقسمت ان أجعلك طفلتي المدللة،وجعلتك تمارسين غيرتك مني فياما سرقت أحمر شفاهي، وارتديت كعبي العالي، ووضعت اقراطي،وتسلقت الكرسي لتعبثي بأدوات مكياجي، وسكبت عليك عطري،وتسللت لمرآتي، كم كنت مميزة وجميلة! وزاد جمالك كلما نضجت وأصبحت حبيبتي محبوبتي وحبوبتي، عشت في حضني ولا زلت لم أروي ظمأ روحي ونفسي، فقد كنت حينها مهتمة فقط بدراستك،ألهث وراء نتائجك وأسعى دائما وأبدا أن تكوني الأولى والأحسن والأفضل على فوجك، فأنا أقسمت أن أجعلك مميزة عن كل فتاة،أعترف أنني كنت قاسية في لحظات غضبي،وأحيانا جارحة لم أكن أدرك ساعتها أن السنوات القادمة ستكون سنوات عجاف وتبتعدي عني.
كبرتي وتزوجتي وسافرتي إلى بلاد يقال عنها أنها الموطن، لكنها ليست كذلك فموطنك هو حضني، موطنك حين أتحسس جسدك واقبلك وأسمع نبضات قلبك حين تستندي براسك على صدري لأضمك.
لا أخفيك، ابنتي،أنك حين غادرتي إلى بيت الزوجية،شعرت البراكين الأسى تتفجر ،كنت قد اختزنتها طويلا في صمت،لكن الحياة وريقات، قد تتساقط بعضها، وقد نفقد عزيز،قد نتعرض للخيانة من صديق او نكران لم يكن في الحسبان،وقد يغيب حبيب، فهذه سنة الحياة،فإني استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه، وساحميك دون علمك في كل حين. فلا تجعلي من الرحيل والفراق نهاية حلمك،بل اجعلي من عثرات الزمن سلما تصعدي فيه لقمة النجاح، كوني ناجحة وشجاعة واعلمي أن لا معنى للحياة دون ألم ولا معنى للألم دون طموح،فالحياة يا جوهرتي أخذ وعطاء، قيم وسلوك،حب ووفاء،بكاء ولقاء،كفاح ونجاح،حلم وأمل ،تحدي فوصول……
فيا ثمرة فؤادي أنت الآن زوجة وأم، لا تنسي أنك ما زلت ابنتي،فرحة عمري،وابنتك زهرة حياتي، أفتقدكم بقربي فأنتن رمز فرحتي وسروري،أعيس لحظة ما بين حنين ولقاء،ما بين شوق ولهفة للقاءكما،فأنت ما زلت ابنتي نعمة وهبني الله بها تركتي أنفاسك في كل ركن من أركان البيت وفي كل زمن وزمان، وطفلتك منة الرحمن جلست على عرش قلبي اميرة فتربعته، فحضني لا يسع إلا لكم ،اطلب من الله في كل ركعة أن ينجيكم من الوباء وان يرفع عن كل بقاع العالم هذا البلاء،واطلب في كل سجدة ان يجمعني بكم في الدنيا والآخرة ،وأن يبلغنا رمضان بروح أنقى وقلب أتقى وعمل أرقى .
مودتي ومحبتي وفاء العنزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى