سلايدرمقالات

وفاء العنزي تكتب من المغرب ” انين الإشتياق

أنين الإشتياق
بدأت الكتابة لمجرد التعبير عن ذاتي،ولكني حتما ومع الوقت والنضج وصلت إلى نقطة الشعور العميق بالمسؤولية وإلى اكتشاف أن الآخرين هم أيضا جزء من ذاتي،وأي تصور وعيي بذاتي لابد
أن يرتبط بتصور وعيي بالآخرين، فالكاتب الذي لم يعاني متاعب الحياة ليس كاتبا،وفي اعتقادي أن لكل إنسان الحق في أن يحيا حياة سهلة،إلا أن الكاتب لا يملك مثل هذا الحق، فأنا ممن يكتب الحروف ليتابعه الألوف، ويكتب الحروف لينشر المعروف ، والله ما خلقت للكلمة الصادقة عاشقة مثلي ولا عرف الناس آهاتي،فقديعتريني هاجس مهما بلغ عنف وقعه علي،أشعر بقوة خفية تستوعبني و تحيط بي من خلف وأمام ويمين ويسار أرهبها وأحبها في آن واحد،فأظل أقاومها حتى نتجاوز الأزمة، فأنامثل جندي في قلب معركة ،لا أرفع الزناد لأثير حربا طاحنة،ولكن لا أستطيع إلا أن أكون طرفا تصيبه العاطفة الصادقة بالخوف من الهزيمة،فأهلي كانوا دائما يريدونني أن أكون سيدة مجتمع لطيفة قريبة من الجميع.فجعلت قلبي مدينة بيوتها المحبة وطرقها التسامح والعفو وسكانها قلوب موجوعة،فتسلحت بأكبر درجة من اللباقة والموضوعية والمصداقيةوالخبرة الحياتية،والتقطت قلمي كلي شوق جازف ورغبة عميقة في إسعادهم ومساعدتهم ،فعاهدت نفسي أن أكون وفية بالتزاماتي التعاهدية،فالكتابة تجعلني أدافع بها عن نفسي أولا ضد الإندثار والإنقراض،فالكتابة هي الملح الذي أرشه على عواطفي وأفكاري وعلى جسمي حتى لا يتفسخ،فالكتابة هي مملكتي،وحريتي التي تمنحني البعد الإنساني المبرأ من القيود المزاجية الممزوجة بالهوى، أحاول فيها التعبير عن بعض الهموم والجراح،جراح قلوب كسرت فتعبت وجرحت فقهرت،فأنا أفضل نزع الضماد عن الجرح،فأكتب كما أراه عاريا،لكني أكتب بكل صدق عن الضماد لا الجرح.
فقد صرنا نعيش حياتنا نشكو من كل شيء،ونتذمر ممن حولنا،نشكو من عدم التوفيق في العثور على من سيشاركنا حياتنا ،وحتى إذا وجدناه،نشكو من ارتفاع تكاليف الحياة…..فنجد أنفسنا تهنا وسط متاهات الدنيا….فجأة تأخذ الشكوى مسارا آخر، ومنحى مختلف.
وأصبحنا نعيش داخل براثن الحياة الآلية تشابهت فيها الأيام وتكررت الأفعال،واصطبغت المعيشة بلون واحد،وخلت علاقتنا من المشاعر الفياضة، ،والأحداث المثيرة، وشاعت بيننا أحاسيس الملل والضجر والرتابة،وتوالت الأيام فأصبح الشاد من الأمور مألوفا، وصار الساخن باردا والحماس فاترا والاهتمام نادرا والحب غائبا، وسواء أكانت رؤيتي نابعة من داخلي أم كانت هي الرؤية الحقيقية المطلقة السائدة، فإنني أبخسها الحق لو قلت أنها الحقيقة التي صرنا نعيش فيها فنحن لم نعد نشعر بالحنين إلى الأرواح التي تماثلنا، والعيون التي تأسرنا، والقمر الذي يرينا مرآة أنفسنا، فأصبحنا عبارة عن أجساد لا قيمة لنا،أجساد برداء، وقلوب قفلاء،وآذان صماء،نعيش غياهيب الحزن واليأس والملل وحتى الحقد والتذمر،فأصبنا باضطرابات مرة نفسية وأخرى عاطفية.
فصرنانبحث عن كل ما يكتم آهاتنا ويسكت أنيننا ويمسح دموعنا ويضمد جروحنا،فالقلوب أعياها التجمد ومدفأة الحطب عادت ترسم صورة قلوب تعبت فصارت تدفأها كلمات عابرة معبرة تخرج من القلب لتصل للقلب علها تذمل الندوب وترمم الجروح،لأننا في حاجة ماسة لنحيا بكلمة جميلة ،نحيا بالإهتمام وليس أن نموت من الإهمال.
فعندما كنت أجلس على الكرسي الخشبي أغالب النوم في حجرتي الضيقة،قبيل الفجر الصادق،كان صبري هو مؤنسي،أحاول أن أخفي عن ملامح وجهي الحزن المقيم معي ،فهو قد حصل على أوراقه القانونية وأصبحت له معي إقامة دائمة،فجأة رن هاتفي،فسألت صاحبة الصوت عن حالها،لتخبرني كاظمة غيظها أنها بخير،وبعد دردشة قصيرة،استطعت أن أجعل محاورتي راضية عني،ومرتاحة معي ،فهي سيدة أنهكها الألم وخنقتها العبارات وهي تحكي لي عن عذابها مع فارسها المغوار،في حين أني وجدتها هي قادرة أن تجعل منها فارسة بألف رجل،فهي جمعت بين الحكمة والشجاعة،والحزم والعزم،والحذر والإقدام،سيدة حكيمة،تعاني كل أشكال الإهمال،فأضحت كوردةذبلت وهي لا زالت في الأوج والرونق والجمال ،فهي حلمت برجل يقرأ لها،يراقصها تحت المطر،يفاجئها بوردة،يغني لها رغم بشاعة صوته،هين إذا قسى،ولين إذا هجر،يتغافل عن أخطائها ويعفو عند زلاتها،ولا يبخل عنها بمشاعره،فقد انفصمت كل أواصل الود والحب والحنان……بينهما و…،فماتت الأغصان وجف ينبوع المحبة،وتحولت جنات العشق إلى مقابر للدموع والحسرة،
حينها مزق نحيبها وجه الفجر،فقطعت الاتصال بها خشية من انفلات صرختي الحبيبة ، لتخرج هاربة وترتاح مني ومن ثقل سنوات صمتي،كم رغبت حينها فعلا بالبكاء بحرقة معها،لكني وجدت نفسي أتسائل، لماذا ارتبطت برجل لا يعرف من الدين سوى قوله تعالى( اهجروهن واضربوهن) ولم يلتفت يوما لقوله تعالى( بعضكم من بعض) ولم يفهم قط قوله تعالى( وجعل بينكم مودة ورحمة) ،فأين أنت من هذا كله يا رجل؟
فكن لها كما تريد تكن لك فوق ما تريد،كن لها رجلا تكن لك إمرأة، كن لها ملكا تكن لك أميرة،كن لها عاشقا تكن لك متيمة،ولا تكن لا شيء وتريدها أن تكون كل شيء .
وانت يا إمرأة، لماذا لا ترسمي للعشق لوحة وتعزفي الأوتار بكلام حب وغرام، ولما لا تكوني انت الفيثارة في يد الرجل واسمعيه أنغاما ترضيه ،عهدتك قوية وما هزمك الدهر يوما،صامدة كبيرة في عين نفسك،عالية الحاضر رشيقة الخاصر،أميرة نفسها،لا تهزمك التفاصيل الصغيرة،فذة في حبك كلماتها،لطيفة في غضبها،حكيمة في خططها،جميلة باهرة في ذكائها،أنيقة متأنقة في شكلها،تستطيعين خلق الجمال في قلب الرجل،قادرة على الإيحاء والإبداع،مبتسمة باسمة مستمتعة بالكلمة الحية التي لا تموت بل تزدهر وتزدادين جمالا معها ، إنك الحبيبة اللبيبة التي تصبر وتصابر وتكابر ،عاملي وتعاملي واستعملي الذوق الراقي في فكرك ومنطقك وروحك،دعي كل ما يقلقك ويقلقه،تنفسي يومك دون ألم وعيشي على أمل
فهو دواء وتفاءلي فهو وفاء وابتعدي عن القلق فهو عناء ،هل تعرفي حقيقة امرك ومن انت ؟ ، فأنت باختصار المجتمع كله وليس نصفه،فرفقا بنفسك وبه .
وضعت اللحاف على جسدي،فكورته محاولة دفن رأسي لأجد للنوم مكانا بقربي،لكنه حتى هو هجرني وتركني لوحدي،أنتظر شفق الصبح حتى أنهض وأكسر حالة الطوارئ العظمى التي صرنا نعيش فيها ،فإما أن نحب بعضنا البعض…..أو سنموت قهرا،فلكم الاختيار.
مودتي ومحبتي وفاء العنزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى