مقالات

عماد نصير يكتب: مصلحة الوطن ومصالح المواطنين

 

لا يخفي على أحد مآلات المشهد السياسي المصري مؤخرا، وما باتت عليه الأمور من شد وجذب خلف الكواليس وعلى الهواء مباشرة سيما فيما يتعلق بانتخابات مجلس النواب.
تجاذبات وتحالفات من غالبية المرشحين وذويهم وأنصارهم، حتى وصلنا إلى مفترق طرق استوجب تدخلا مباشرا من القيادة السياسية لضبط المسار في الاستحقاق الانتخابي الأهم في مصر، ما نتج عنه إلغاء العملية الانتخابية في 19 دائرة كاملة، وذلك مرده للعديد من الاعتبارات يأتي على رأسها التجاوزات التي رصدتها الكاميرات ورصدها حتى العامة، وبات الجميع غير راض عن المشهد ككل، واسترجع الجميع أحداثا من الذاكرة البعيدة لما كان يحدث في عهود سابقة، وتدخل المال السياسي في محاولة جذب الناخب لصالح مرشحين بعينهم.
إلا أن ذلك وإن كان بحق له دور، فلا يجب أن ننسى أو نتناسى أن هناك جوانب وعوامل جذب أخرى تعمل على توجيه الرأي العام في الدائرة، والحشد لتيار أو مرشح بعينه، وهنا يبرز ما للعصبية والقبلية من دور، فالحشد ليس لمرشح ما إيمانا بتاريخه في العمل الخدمي العام، بل إن ما يتم الحشد على أساسه غالبا يكون للشخص المرشح نفسه، وفق اعتبارات القرابة أو المصاهرة أو كما يقولون “ابن بلدنا أولى”, وخاصة في مختلف قرى القطر المصري، فلا هم اطلعوا على برنامجه الانتخابي ولا هو تحدث إليهم بمكنون صدره وخطته التنموية التي تقدم على أساسها لمعترك الوصول لقبة البرلمان، بل يكفي أن يكون معروف لدينا أهله وأصله وفصله فنجامله ونجامل ذويه ونمشي في ركابه ونهتف باسمه ونحشد له الأصوات بالقانون وبغيره.
العبرة هنا أن الاختيار والانتقاء الجماهيري والعقل الجمعي هو من يتبنى مرشحا بعينه ويصطف خلفه، ولا اعتبار في الغالب لهوية المرشح السياسية ولاةخبراته ودرايته ودراسته ودوره السابق في العمل العام، يكفي أن يملك هو تكاليف التقدم بأوراقه وعمل الدعاية، والباقي على أنصاره الذين يحملون عبء الحشد له حتى يصل إلى قبة البرلمان، وهذا هو عين الإجحاف في حق الوطن، فلابد أن يعي الناخب قيمة صوته، وبالتالي لا يمنحه إلا لمن يتوسم ويتفرس فيه ملامح رجل الدولة الذي سيرسم مع الحكومة ملامح الغد له ولأبنائه.
البعض يرجع ما يحدث من تجاوزات إلى الفقر وشراء الأصوات ولو كان المقابل زهيدا، والبعض الآخر يعزي الأمر إلى ما أسلفنا، فمن العيب أن تمنح صوتك لفلان البعيد عنك وتترك “ابن بلدك” أو صهرك أو زميل دراستك حتى لو كنت تعلم أن خصمه والمرشح ضده أحق وأقدر وأكثر فائدة، وهذا هو عين الحقيقة.
المشهد المتكرر في كل استحقاق انتخابي يستوجب حملات توعية من الدولة للناخب، وبث روح الوطنية قبل العصبية، وإعلاء مصلحة الوطن على المصالح الفردية والعائلية، فاختيار مرشح وترك آخر أفضل منه لمجرد توفر أمر مما سبق، جريمة يقترفها الناخب في حق وطنه وحق نفسه وأبنائه.
التجرد من القناعات الزائفة التي تبث في آذان الناخب وفكره أمر مطلوب، فالمرحلة تستوجب اختيار قامات تعي قيمة ما هم مقبلون عليه من تولي مهام نيابية، تستلزم الانتقاء بل والانتقاء بعناية من ينوب عنا في مجلس النواب، وعدم الانجرار وراء “التربيطات” والترتيبات على أساس العصبية وتغييب مصلحة الوطن.
نأمل أن تحظى المرحلة الثانية من الانتخابات بهدوء مشوب بوعي وفكر وثقافة ناخب يختار فيها على أسس موضوعية وفق الكفاءة والخبرات السابقة في العمل بالشأن العام، حتى نبني غرفة نيابية تعي مصالح الوطن ككل، ولا تسعى لرد الجميل لناخبيه ودائرته من خلال مصالح وخدمات فردية، فالوطن يحتاج منا الدقة والتدقيق في اختيار نواب بحجم وقيمة مجلس النواب وحجم وقيمة من جلسوا على تلك الكراسي وهم مهمومين بمصالح الوطن، ويشاركون في بناء مستقبله، فبدون ذلك لن تجني مصر من المجاملة بالتصويت سوى عبء إضافي لنائب لا يعي حاجة الوطن والمواطن، والفائدة الوحيدة لمواطني دائرته أن أحدهم أصبح يملك حصانة، فلا هو أسهم في بناء الوطن ولا هم استفادوا سوى مشقة الذهاب للمقر الانتخابي للمجاملة بالوطن لصالح علاقات الجيرة أو المصاهرة أو الزمالة.
حفظ الله مصر وهيأ لها نواب للشعب يعون حجم المسؤولية ويقدرون قيمة الجلوس على مقعد يبنى المستقبل من خلاله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى