سلايدرمقالات

وفاء العنزي تكتب من المغرب رفقا بها

هي حكاية استلهمتها من شخصية امرأة حقيقية اعتادت أن تراسلني تقديرا واحتراما لكتاباتي، في إطار مصاغ بروح من الرومانسية والألم، قصدتني منكسرة، مظلومة، راجية مني أن أكتب حكايتها، فهي حكاية بل حكايات لنساء، لإمرأة مضطهدة من الجميع، عاشت وتعيش معركة حقيقية بينها وبين المجتمع، فهي لم تعد لديها الطاقة لتشرح تفاصيل الألم الذي لا ينتهي، فقط تكتفي بابتسامة صفراء، وبتحية عفوية هي بلسم شفاء لقلب أرهقته وطأة الضغوطات.
فمنذ زمن بعيد ويدها لم تقترب من أي لون يوحي بالفرح أبدا، وحتى عندما جلست معي، بعد ارتدائها غير الأسود، شعرت بالخجل من نفسها، وبدت كما لو كان الفستان يحاول شدها إلى زمن مضى، زمن كانت تتأنق وتتزين وتلبس فستانا موردا يجعل شكلها كزهرة الياسمين تنشر شذى عبيرها وهي تدخل كعروس يوم زفافها،وهي تحتفل كل سنة بذكرى عيد زواجها،تذكرت فتنهدت وتألمت،فجلست والدموع ترقرق في عينيها وشفتاها كانتا ترتجفان، فهي انتظرت سفينتها ان تصل إلى الشاطئ، لكنها جاءت الرياح بما لا تشتهي، فقد قعدت في سفينة مقاذفها جافة لن يبللها الماء.
بقلبها المتهالك وأفكارها المشتتة، لم تعد قادرة على تحمل اي شيئ، فقد صارت متهمة حتى تثبت برائتها، صارت تحوم حولها الشائعات أينما حلت وارتحلت، وجميع تصرفاتها تحت المجهر، تحاول الإختباء، وكأنها ارتكبت جريمة لن يغفرها لها المجتمع مهما قدمت من مبررات فهي في نظر نفسها أضعف بكثير من أن تقف أمام مجتمع يتهمها بأفظع التهم، مجتمع يعيش معركة حقيقية من العادات والتقاليد والأفكار البالية. فقررت ان تخرج إلى النور هذا الألم الذي لم تعد قادرة على كتمانه أكثر من ذلك، فحاولت أن تجد في حديثها علاجا لجرح لا يعرف أحد قسوته على قلبها الذي لم يعد يحتمل المزيد من الإتهامات، فحكت لي بقهر مشوب بالغضب تجربتها المؤلمة.
هي إمرأة في مقتبل الشباب ورونقه، في مرحه ونزقه، في جريه وقفزه،في عطره ونضرته لا تضغطه شيخوخة مولية، ولا تأخذ بخناقه طفولة هاجمة،من حسن حظها أنها لا زالت تنبض بريعان أنوثتها، ولكن بنظرة إلى عينيها تجد لمعة الحياة قد انطفأت فيها.
تهيأت للحب مبكرا، فقررت التأنق له، وتزوجت وهي في سن صغيرة، فأنجبت خلال فترة زواجها ولدين،كانت تختلس لحظات السعادة من حياتها، فلم تعد تلك الإحتياجات العاطفية تشكل اللبنة الأساسية اللازمة لبعث الدفء في أوصال عش الزوجية، لا أعني بالعاطفة هنا كلمات الحب والغرام العابرة، لكني أعني تحديدا المودة الرحمة، الإحتياجات الوجدانية والإنسانية بين الزوجين، فقد تحولا قلبيهما إلى حجرين مدمرين،كما لو أنهما في حرب ضروس جميع الأسلحة تستخدم حتى المحظورة، فيصبح الفتور العاطفي النفسي والجسدي هو الموجود في غالب الأوقات.
أصبحت امرأة قضي على البقية الباقية من أنوثتها وإحساسها، فهي لم تكن مستعدة أن تعيش تجربة الطلاق، ولم تستطع أن تستوعب وضعها الجديد، لم تستطع التأقلم مع تداعيات انتهاء علاقة، هي اكيد تحتاج لوقت كي تستعيد حياتها فعبور المرحلة ليس بالشيء الهين عليها، فهي في حالة انتقالية بين الاستقرار النفسي والإجتماعي،وبين حالة الفوضى التي تعرفها حياتها، فوضى عارمة في مشاعرها وعواطفها،غضب وحزن وقلق وخوف وحالة من الإضطراب التكيفي،هي صدمة حقيقية تعيشها، فهل يا ترى ستتخطى المرحلة وتستعيد حياتها ام ستقع فريسة للإكتئاب وأسيرة للمرض والعزلة؟
فهي تقع ضحية ظلم الزوج وقسوة المجتمع،فماذا اقول،أمام من حكم عليها ان تعيش النهاية وتشهد غروبها كما لو أن دورة حياتها انقضت لتظل المسكينة تلهث بين آمالها وآلامها تصارع الحزن كي تستطيع العيش بأمان ، ماذا أقول أمام من لا زال ينظر إليها على أنها وصمة عار للعائلة، لا ذنب لها فيه ليظل الشك يحيطها في كل لفتة، ينظر لها على أنها منحرفة وسهلة المنال، متمردة ومصدر تهديد لأسقف بيوتهم، ينظر لها على أنها فاشلة،أنانية وغير حكيمة، مخطئة و……وغيرها من الأحكام القاسية، وكأن الزوج معفى من المسؤولية، في حين أن الفشل في الزواج ليس قرارا أحاديا بل هو قرار يصدر من شريكين يتحملان معا مسؤولية فشلهما،كما يتحملان أسباب انهيار علاقتهما.
ماذا أقول لمحكمة أدانتها، وألقت بها في زنزانة المجتمع لتقاسي وتعيش أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، فالأطماع ترشقها بسهام، وعيون ترميها بنظرات تهزمها بلومها،وتشعرها بعارها،وذلهاومهانتها ،وألسنة تقذف بشرارها كالرصاص،فتخترق قلبها،فتقع ملقى عليها صريعة
وكأنها ستلفظ آخر أنفاسها وما تبقى لها من كرامتها وحريتها وجمالها وإحساسها، فتصبح طبقا دسما عند اي تحرش جنسي بها.
ماذا أقول أمام قرار بدد أحلام امرأة وجعلها لا تنام طوال الليل لأنها أصبحت ضحية كابوس يطاردها كل ليلة،فأصبحت تعيش وسط شرارات تشعل الكراهية وتسحق وتحرق أجنحة صغيرة لكائنات جميلة غالية تتأهب للطيران في الغد، إنهم أطفالنا.
ماذا أقول أمام وضع مختلف، كانت فيه كوردة بهية باهية ابتسامتها لا تفارق محياها، الكل يشغف لمجالستها،لكن ما إن أصبحت تحمل لقبا آخر، حتى انفضو من حولها لتصير كوردة ذابلة،حبيسة،مدانة حكم عليها بكل الأحكام .
أما حان الوقت،لترفقوا بها،وتذكروا أنها كانت في عهد رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يتصارع حولها الرجال كي يظفرو بها، رفقا بها فهي امرأة شجاعة وليست بفاشلة ،هي قوية لأنها اختارت أن لا تكمل حياتها مع من لا يحترمها ويظلمها، ولربما بعد الفراق سعادة وهناء قوله تعالى في كتابه العزيز(لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا )،هو أبغض الحلال عند الله، ولكنه الحلال الذي أحله الله والحل الأنسب الذي وضعه للرجل والمرأة حين تستحيل العشرة بينهما.
رفقا بها، بآلامها المدفونة بداخلها والتي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، رفقا بمشاعرها، امنحوها فرصة للحياة، هي تطلب أن تعيش فقط عيشة كريمة، تطلب الأمن والأمان، السلم والسلام، التقدير والاحترام، فرفقا بالقوارير يا أمة محمد،لقد كانت آخر وصية لنبينا الكريم عليه افضل الصلاة والسلام.
وأنت أختي لن اقول لك أختي المطلقة بل أختي المنطلقة،انطلقي بقاربك الجميل بمجدافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح وعندها جزما سيكون للحياة معنى آخر، فالطلاق ليس نهاية لمطاف،تحصني بإرادتك، وتخلصي من الماضي ورددي دائما(اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها )،اهتمي بنفسك، بأناقتك لتستعيدي ذاتك،لتستعيدي قوتك،ولا تيأسي،ولا تقنطي من رحمة الله ،فهناك أمل، ابحثي عن أهداف جديدة في حياتك لتتخطي الأزمة، سافري واستمتعي بالحياة مع الرفقة الحسنة ،فما حياتك الزوجية سوى مدرسة تخرجتي منها بنجاح.
عزيزتي المنطلقة، قبل أن أضع قلمي،اقول لك(عسى أن تكرهو شيئا وهو خير لكم )الطلاق ليس نهاية الطريق، بل هو سيكون بداية طريق جديد مشرق بحول الله.
مودتي ومحبتي وفاء العنزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى