سلايدرمقالات

حقيقة العهدة النبوية بدير سانت كاترين

كتب د. عبد الرحيم ريحان
مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار – عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة

حقيقة العهدة النبوية بدير سانت كاترين
طبقًا لتعاليم الإسلام السمحة أعطى رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) عهد أمان للمسيحيين يؤمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم وبيعهم يعرف بالعهدة النبوية محفوظ بمكتبة دير سانت كاترين صور منه بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عام 1517م وحملها إلى الأستانة وترك لرهبان الدير صور معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها إلى التركية وقد تقدمت إلى وزارة السياحة والآثار بمذكرة علمية لعودة هذا المخطط الهام من تركيا
وقد رأى نعوم بك شقير مدير قلم التاريخ بوزارة الحربية بمصر عام 1906م عدة صور لهذه العهدة بالعربية والتركية بعضها منسوخ فى كتاب صغير وبعضها على رق غزال فى وكالة دير سانت كاترين بالقاهرة ( الآن محفوظة بدير سانت كاترين بسيناء) وكل صورة تختلف عن الأخرى قليلًا وفى كل منها أخطاء تدل على أن النساخ الذين نسخوها كانوا أعاجم أو عرب يجهلون قواعد اللغة العربية، وأصح هذه النسخ وأقدمها ثلاث نسخ مكتوبة فى ثلاثة كتب صغيرة باللغة العربية والتركية وقد وسمت بالأحرف الإنجليزية ABC حسب أقدميتها، وأقدمها الموسومة بحرف A
وشهد على صحة العهدة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم على بن أبى طالب، أبو بكر بن أبى قحافة،عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان،أبو الدرداء،أبو هريرة،عبد الله بن مسعود
وقد كتب على بن أبى طالب رضى الله عنه هذا العهد بخطه فى مسجد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بتاريخ الثالث من المحرم ثانى سنى الهجرة وأودعت نسخته فى خزانة السلطان وختم بخاتم النبى
وقد تلاحظ هنا الاختلاف فى تاريخ الصور المنقولة للعهدة التى نقلت عن الأصل وكذلك فى تاريخ الصورة الأصلية التى قيل أنها أعطيت للرهبان عوضًا عن الأصل بواسطة سليم الأول عام 1517م، وبالتالى فقد أدى هذا الأمر إلى إنكار بعض الباحثين للعهد ذاكرًا أن رهبان سيناء اختلقوها للاستعانة بها على دفع ظلم الحكام وأدلتهم فى ذلك أن لغة العهدة تختلف عن لغة عصر النبى ففيها من التراكيب والألفاظ ما لم يكن مالوفًا فى ذلك العصر وأن بعض الشهود المذكورين فى ذيل هذه العهدة كأبى هريرة وأبى الدرداء لم يكونوا قد أسلموا فى السنة الثانية للهجرة.
كما اعتمدوا على أن مؤرخى الإسلام الذين أحصوا كل قول أو أثر للنبى (عليه الصلاة والسلام) لم يذكروا هذه العهدة ولا أتوا بأقل إشارة تدل عليها
ونرد على ذلك بأن كل هذه الأسباب لاتنفى أصل العهدة وصدورها عن النبى عليه الصلاة والسلام لعدة أسباب وهى أنن الرهبان لايدّعون أن هذه العهدة هى الأصل الذى صدر عن النبى ولا صورة طبق الأصل بل هى الصورة التى أعطيت لهم بعد أخذ العهد منهم وأن ثانى سنة للهجرة ليس هو تاريخ الأصل بل أن العهدة التى بأيدينا تذكر أن الأصل أعطى فى ثانى سنة للهجرة، والظاهر أنه ثامن لا ثانى سنة للهجرة وحرّفه النسّاخ ومثل هذا التحريف كثير الإحتمال جدًا لا سيما من النسّاخ الأعاجم وأن عدم ذكر أحد المؤرخين للأصل لا يطعن بصحته لأنه لا يمكن أن يكون المؤرخون قد أحصوا كل أثر للنبى، وقد حفظ هذا العهد فى الدير إلى أن أخذ منهم فكان يشار إليه فى كل فرمان أو منشور أعطى للرهبان إلى اليوم.
وبالتالى فليس من المستبعد أن يكون النبى قد أعطى رهبان سيناء عهدًا بقى معهم إلى أن أخذه منهم أحد السلاطين السالفين، وعوضهم عنه عهدًا بروح العهد النبوى ولغة ذلك العصرمع تفصيل اقتضاه الزمان والحال وهو العهد الذى بيد الرهبان ويدل تاريخ الإسلام أنه فى السنة السابعة للهجرة 628 – 629م أرسل النبى محمد (صلّى الله عليه وسلم) كتبه إلى الملوك والأمراء مثل كسرى وقيصر والمقوقس نائب الرومان فى مصر يدعوهم إلى الإسلام، وأن المقوقس أكرم مندوب النبى وزوده بالهدايا إلى النبى وليس لمندوب النبى طريق مختصر إلى مصر سوى طريق سيناء المار بالدير فمن المعقول جدًا أن يكون المندوب قد مرّ بدير سيناء ذهابًا وإيابًا وأن رهبان سيناء قد احتاطوا لأنفسهم وأرسلوا معه وفدًا يطلع النبى على حال ديرهم ويطلب منه العهد تأمينًا للطريق وصيانة لديرهم ومصالحهم هذا من جهة الرهبان.
وأمّا النبى محمد (صلّى الله عليه وسلم) فمن المحتمل جدًا أن يكون قد أعطاهم العهد وأمّنهم وأوصى بهم خيرًا لعدة أسباب وهى أن دير طور سيناء هو فى طريق مصر من بلاد العرب ومن مصلحة العرب كما هو من مصلحة الرهبان تأمين الطريق إلى مصر وأن التاريخ يدلّنا أن النبى قد حبب إليه النسك والزهد وكان كثيرًا ما يذهب إلى غار حراء قرب مكة ليتعبد ويذكر الله فيه حتى بعث للناس بشيرًا ونذيرًا، لذلك كان يميل إلى الرهبان والنسّاك ويوصى بهم خيرًا }لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدّن أقربهم مودّة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون{سورة المائدة آية 82.
ولقد جرت عادة النبى وخلفائه من بعده إعطاء العهود للمسيحيين ومعاملتهم بروح التسامح من ذلك عهد النبى لأهل أيلة، عهد النبى لأهل أذرح ومقنا، عهد خالد بن الوليد لأهل القدس، عهد أبى عبيدة لأهل بعلبك، عهد عبد الله بن سعد لعظيم النوبة وأن رهبان طور سيناء قد سكنوا أرضًا يقدّسها اليهود والمسيحيون والمسلمون والوثنيون على السواء، وفى تقاليد بدو سيناء والرهبان أن النبى زار طور سيناء بنفسه وترك فيه أثرًا لقدمه، وقد ذكر طور سيناء فى القرآن الكريم، لذلك من المستبعد أن يخيّب رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) طلب سكانه ولا سيما الرهبان والنسّاك الذين كان من طبعه الميل إليهم مع أنه أعطى العهد لجيرانهم أهل أيلة.
وقد أكد سلاطين المسلمين وأقرّوا صحة هذا العهد وذكروا فى منشوراتهم إلى الدير بأنهم أعطوا هذه الامتيازات للدير بناءً على العهد الأول من الرسول المبينة فى العهدة النبوية وذكروها فى فرماناتهم ومنشوراتهم إلى مطارنة الدير، بل ذكروا إنما أعطوهم هذه الامتيازات بناءً على العهد الذى أخذوه عن النبى وأيده الخلفاء الراشدون
كما أنه لا يعقل أن قومًا مستضعفين كرهبان سيناء يقدمون فى وسط بلاد إسلامية على اختلاق عهد عن لسان نبى الإسلام لا أصل له، ويطلبون فيه من السلاطين المسلمين الامتيازات الجمة، بل لو أقدم رهبان سيناء على مثل هذا العمل فلا يعقل أن سلاطين المسلمين من عهد الخلفاء الراشدين إلى هذا العهد يقرّون رهبان سيناء على ما اختلقوه ويمنحوهم من الامتيازات ما فيه خسارة لبيت المال بدون تثبّت أو تحقيق عن الأصل .
وأرى أن هذه العهدة صحيحة لأنها تتفق مع تعاليم الإسلام السمحة والذى شهد بها أيضًا كثير من مؤرخى الشرق والغرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى