سلايدرغير مصنفمقالات

وفاء العنزي تكتب من المغرب، رائحة من رمضان

أكاد أشم رائحته العطرة تزداد يوما بعد يوم،لتعلن قربه،رائحته التي تفوح بالأفق وتملأ المكان،أكاد أسمع صوته قد اقترب،وأتمنى ان ألحقه وأبلغه وأبلغه أنني اشتقت له،اشتقت لحنين السماء وقت الغروب،لسماع أصوات صخب بالدروب،اشتقت لحظات الفرحة بصوت الآذان ولسماع دعاء المصلين،اشتقت إلى سكون مابعد عصره الى قبيل غروبه،اشتقت لسماع صوت صدى الأواني ،وصوت أثر أقدامي وهي تركض في البيت الضيق لتضع مائدة الإفطار،اشتقت لمائدتي العامرة المكتملة،مائدتي التي ينقصها ملح أحبائي،فرغيف حياتي ينقصه نضج على نار قلبي،مائدتي ينقصها وميض شموعي، لكنك تشم رائحة عشق منبعثة منها ،لها طعم ولون خاص وبصمة بصمت عشاقا،بعضهم غيبهم الموت،وبعضهم في بلاد هناك،بلاد غربة،لم أستطع لقياهم.
فأقسى ما في الغربة ليس البعد عن أرض الوطن ،ولكن معايشة رمضان في بلاد بعيدة،فأصبح رنين الهاتف أجمل موسيقى،ويصبح الطعام هناك أطيب إن أضفنا له بهارات من أرض الوطن،وتصبح الشتاء أبرد والليل أطول والجرح أعمق والألم أوجع ، ففي الغربة حتى طعم القهوة يختلف،ويصبح ترنيم القلم يخط إلا موال عن الغربة،وحنين الأمهات،
وأصعب ما في الغربة الإحساس بأن قطعة مني فارقتنيي
أما إحساس الموت،فهو فراق ما بعده لقاء،وإحساس بأن قطعة سقطت مني.
لكنهم يحيطون بي أينما حللت وارتحلت،فخيالهم معي على مائدتي ،وفي أي ركن من أركان بيتي،أستأنس بهم ،
وبالرغم من خيوط الحنين،التي تنسج لي ثوب من الإشتياق، عند كل رمضان،يبقى اشتياقي لضيف كريم مابعده اشتياق،يقاسمنا ثلاثون يوما أهم أيام حياته،ويأتي ويأبى أن يغادر موائدنا حتى يترك في كل فينا أثرا لا تفتأ الأيام أن تمحوه حتى يعود من جديد فيغرسه،
ضيف محبوب وشهر جميل بهي كريم بكرم الله ضيف نشتاق له ونحن إليه،حيث يأتينا كل سنة مرة،وإن أتى أتانا باليمن والبركات وكل الخير،تآزر وتكافل في الأحياء ،وإفطارات على موائد الرحمن،رمضان( أياما معدودات)،رمضان قصير لا يحتمل التقصير،وقدومه عبور لا يقبل الفتور،ورمضان بين أحد عشر شهراكيوسف بين أحد عشر كوكبا،فلا تقتلوه،ولا تلقوه في الجب،ولا تبيعوه بثمن بخس.
ففي رمضان وحده ينتصر الجمالي على اللاجمالي،ولا مجال للقبح فيه،قلوب خاشعة ومساجد عامرة ،وفي كل لحظة ولكل صورة من صور رمضان لها غواياتها الدلالية،لا تكف عن الاشتياق للعودة مدفوعة بلعبة المد والجزر اللامتناهية بين الماضي والحاضر.
لكني في كل عام أتركه يرحل دون وداع يليق به،
ربما أضعت ما غرسه في قلبي من حسنات،وربما لم أهتم جيدا بغراسه،ولم أرعاها لتكبر في،وربما قصرت،وربما أذنبت،وربما نسيت،وربما تهت وسجنت في شؤون الدنيا لسجن طويل.
لكن هذه السنة،سأحسن استقباله بإذنه تعالى،وسأحسن جواره،وسأقتبس من نوره،ولا بد أن أعلم جيدا أين يغرس زرعه،لأسقيه وأعتني به،ولا بد أن أعي تماما أن العمر قصير،وقريب سيحصد الزرع،سأصافحه هذه المرة وأشد على كفه الحنون،ويشد هو بيدي،ويبتسم لي ويشكرني وأشكره ، وأختم مرة ومرة ومرات فيه كتاب الله العزيز، ليرزقني فيه سبحانه الحسنات،ويترك لي نفحات عطرة،فربما يعود ولن يجدني في المرة المقبلة،وأندم،
وفعلا قد ندمت كثيرا،ندمت على كل لحظة خسرتها في غيبة وثرثرة فارغة،خسرت كل يوم نمت فيه طويلا،وضحكت كثيرا دون سبب،فندمت على كل إثم فعل اقترفته بقصد أو دون قصد،فهرب مني عمري وانفلتت الحسنات من بين أصابعي كالماء.
كبرت ومرت الأيام كمرور البرق،وعرفت أن هناك كان وجه آخر لرمضان،غير تلك الرائحة الشهية والمائدة المملوءة،وجه آخر خجول، طيب،كريم بكرم الله،ولا أستطيع النظر فيه،لأنه هو لا زال حيا ولم يتغير،وأنا فقدت وافتقدت بيتا عامرا وقلوبا محبة.
.يأتينا رمضان عفيفا ليقبع في سكون ويظلل علينا وينتظر منا أن ننتبه لجماله،وليس لزينة مائدته،فالله يسعدنا به،حيث يجعله شهرا مخصصا لراحة من الدنيا،ويضاعف فيه الأجر،بقدر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى،فلنفتح خزينة قلوبنا،ونحذف ونرتب ونسامح ونستغفر ونتجاوز،ونسقي قلوبنا لنتمكن من الصراخ ونطلق أنين التوبة،ونصلح أخطائنا، فالجميع ينتظر منا الخطأ إلا الله سبحانه ينتظر منا توبة نصوحة،فاللهم أكرمنا بكرمك،وبلغنا رمضان بصحبة الأخيار ورحمة الغفار وجنة الأبرار،وعسى رمضان مبارك وكل اللحظات تبارك،وجنة الخلد تكون داري ودارك والنبي عليه أزكى الصلوات جاري وجارك،مودتي ومحبتي وفاء العنزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى