سلايدرمقالات

وفاء العنزي تكتب من المغرب،، خطوط وخيوط

خطوط………وخيوط.
نظرت إلى مرآتي فتفاجأت ببقع بيضاء زاحفة على مقدمة رأسي،تشق وترقص على حوض شعري،فعرفت أن الضيف الأغبر زارني،وسأصبح عجوزا تقبع خلف جسد أنهكته معتركات الحياة،وتخاف أن تخونها ذاكرتها ذات يوم ،وتتيه عن باب دارها،وتنتابها هفوات في الذاكرة بين الحين والآخر،ويزورها شبح النسيان والخرف،وربما تنسى حتى أسماء أسرتها،تخونها قواها وصحتها ولن تقوى على النهوض من فراشها،ويتناوبون على رعايتها أبنائها،وستتعثر بكلماتها وبخطواتها ،وقد تجد صعوبة حتى في مزاولة أنشطتها الروتينية،وتربكها الأضواء والأصوات العالية،ولا تقدر على القراءة في كتابها المفضل،ولا مسك قلمها ليخط حكايات الزمن لأنها ستصاب بمرض الرعش،وسترتشف فنجان قهوتها وهي ترتجف.
ياه يازمن!أحقا سأصير وأصبح عجوز هرمت ويمضى بي قطار العمر، ويسوقني لمحطات بالرغم مني،فتصبح خطوط الزمن ترسم خيوطها الدقيقة على ملامحي المتعبة، وستظهر علي أخرى على جبيني،وأخرى ستحيط بفمي،وبقع سوداء تحت عيوني،وخلف كل هذا وذاك تختبئ ذكريات أحزاني وبكائي،وحتى ذكريات فرحي وسروري،فهم جزء مني.
هل فعلا سيصبح جسدي مرتعا لكل الأمراض؟
سيصبح منهكا ولن يطاوعني،آلام في كل مكان خصوصا عظامي التي ستحول هواياتي المحببة الى هوايات معذبة؟
سيعبرني العمر هاربا كأنه لا يعرفني، ويتظاهر أنه لا يرسم خطوات الأيام على ملامحي،وأتظاهر أنا أيضا أنني لن أراهم لا على وجهي ولا على شعري،وسأتفادى الوقوف كثيرا أمام مرآتي.
لكي لا يقولون عني أصبحت امرأة عجوز،وأقول لهم بل أصبحت طفلة مكتملة النضج،خدعها الزمن بصمت السنين.
نعم مرت حياتي في غفلة مني،فسألت تجاعيد الزمت،كيف ارتسمت على وجهي؟كيف طفت على ملامحي نذوب الماضي؟
كيف سكنت جدار روحي شروخ الزمن؟
كيف غيرت من ملامح وجهي خبطات الدروب؟كيف نسجت روحي آلام وتراكمات الماضي؟
كيف أوقف وأذيب كرات الثلج التي تكبر شيئا فشيئا على شعري؟
يا لغدر الزمن بي!أين هي حروفي الأصلية؟أين هي أحلامي؟أين هي ذكرياتي؟أين هم رفاقي؟
كنت أراهن على قاضي الزمن،لآخد حقي ،لكن محكمة الحياة لم تنصفني،فقد سجن حارسي،وأطلق سراح لص جسدي،بل كل حياتي،وباع ذكرياتي في السوق السوداء، ذكرياتي التي لن أستردها ولا أعوضها، فكل السرقات يمكن استرادها أو تعويضها كيفما كانت،إلا سرقة العمر.
فخرجت لشراء الزمن،فقد سرق من عمري،وعدل من لائحة أحلامي الكبيرة،وصرت أبحث حتى لشراء السعادة،وإن لم أستطع ،فعلى الأقل أشتري التعاسة وأنا مرتاحة،فأناأريد استعادة شكلي،فدخلت دوامة صبغ الشعر والحد من تجاعيد الزمن.
كأنه يتوجب علي أن أبقى شابة طوال حياتي،صرت أعيش دوامة المحافظة على رونقي وأناقتي وشبابي،فبدأت أمارس رياضة الاحتماء من الشيخوخة،ودائما أحمل في راحة يدي حلم ينهض الإحباط احتراما له،فللحزن جمال وللشروق أيضا رونقه،ولكي لا يصير شعري شاحبا بلون الأرق،بدأت بصبغ شعري بنفس لونه فقط،لأخفي آثار الزمن علي،فالشعر الأبيض عادة دليل التقدم في العمر،وأنا لا زلت شابة تجاوزت الخمسين،وبعدها صرت أتجرأ على التغيير دون أن أفسد الذوق العام ،فاخترت لون الصبغة بحسب مزاجي،بل تفننت في اختيار ألواني الاصليةوالمفضلة الخمري والبني .
وحتى يظل مظهري مرتب أمام الجميع،أصبحت أصرف الكثير من الوقت والجهد والمال،وأنا أصارع آثار السنين على جسدي،إذ علي بالصبغة وعلي بالمراقبة لتلك الشعيرات البيضاء اللعينة المتمردة بشكل دائم،لئلا تطول على الحد المسموح به.
أما عن التجاعيد التي أصبحت تكسو وجهي،فهي حصيلة ضحكات ودمعات خجلت أن أتركهم في الماضي،فأخذتهم ملامحا تزين وجهي في الحاضر والمستقبل،فما هي سوى أوراق خريف رسمتهم أوقات ألم وغطتهم ساعة أمل،تجاعيد ملئت وجه الزمن في مرحلة معينة من هذه الحياة،وقد تصل إلى لحظات حاسمة من حياتي،هذه اللحظات تنقلني بين فصول كتاب الحياة بغفلة من أمري.
ومهما تساقطت من حياتي سنوات وشهور وأيام ،ومهما اتضحت تجاعيد الزمن على ملامح وجهي وغزى الشيب كل شعري،يبقى قلبي قلب طفلة في مكان ما……في موقف ما……في حلم ما……أو في ذكرى عتيقة أبت الاندثار،فتبا لخيوط الزمن وشعيرات الحياة وتبا لخطوط العمر وتجاعيد الحياة،ومرحى بقلبي الطفولي وروح الشباب.مودتي ومحبتي وفاء العنزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى