سلايدرمقالات

وفاء العنزي تكتب من المغرب ” صفحات متطايرة

تتصاعد رائحة الحلوى،معلنة قدوم العيد،هي مظهر من مظاهر البهجة التي ترافق العيد،نوع من الاحتفاء والاحتفال ،والإعلان عن قدومه بفرحه ومرحه،وموسيقاه واكتضاض شوارعه وأسواقه ومحلاته،و…….
شعور جميل يبعث الحبور في الروح ويعيدنا لذكريات الطفولة الجميلة،فللعيد عبق وعبير رائع من نفحات الطاعة والجمال،تتمثل فيه معاني للإنسانية، والوفاء ومظاهر الحب والألفة بين الأهل والأحباب،ولا تكتمل فرحة العيد إلا بعد أن نسامح ونعفو على كل من أساء إلينا في الماضي القريب أو البعيد.
فعيد الفطر هو بمثابة جائزة صيام شهر كامل،ففيه تتم عبادة في الشهر الكريم،من صيام عن الطعام والشراب والنميمة والغيبة ،وصالح الأعمال بما يرضي الله.
وفي كل ذكرى العيد تتجدد بهجة الماضي،وتتبعثر شخصيتي الحانية مع هموم الحياة،وتتغير ملامحي وملامح العيد،وكأن قبني كبر مع الزمن،وكأنني كبرت على العيد،فما عادت فرحته تؤثر فيي كما كانت في أيام الطفولة.
فمن منا،لا يتذكر حلاوة ولذة أيام العيد،أيام زمان،كانت لذة التسوق من الخبازات،لذة الفرح،لذة في كل شيئ وفي كل طقوس العيد،لذة الماضي،وعبق الماضي،كل شيئ كان يوحي بأن هناك مناسبة جميلة اسمها”العيد الصغير”،تتجمع العائلة الكبيرة في بيت الجد من الصباح حتى صباح اليوم الثاني،بين مرح وفرح وصنع مالذ وطاب من أيادي نساء يشهدن لهن بالبراعة وفن الطبخ الأصيل ،حيث الجميع كان يذوب في روح واحدة،يجتمعون على الغذاء والعشاء ،وتمتلئ غرف المنازل عن آخرها،وبهوها بضجيج وصياح الأطفال،قد تصل الى أكثر من خمسين فردا،يأكل الجميع،يشرب الجميع،،يضحك الجميع ويلعب ويتسامر الجميع حتى مطلع الفجر،كانت بركة الله ومحبة الله في كل الأرجاء.
كانت أيام عذبة مرت كحلم،وكانت أمي تغزل لنا فرحا خاصا،وتصنع لنا لذة من الفرح في طبق شهي،وتنقش لنا ذكرى جميلة.ففي فترة زوال ليلة العيد،كنا نقوم بتحضير حلويات العيد،حلويات لا أعني كعب غزال،ولا قرن وحيد القرن،ولاالمحنشة ولا الملوزة،بل كل ماهناك هي حلويات لا تتعدى مقادير
عجينتها
. سكر ،دقيق،زيت وخميرة كيماوية،تتشكل على عدة أشكال مختلفة ، نفرح بوضعها على رؤوسنا لنوصلهاللفرن التقليدي ،وبعدها مباشرةتعبئ في سطل خاص يتم تهريبه وتخبئته عن أنظار سارقيها الصغار.
وفي الليل كانت تفوح رائحة حناء العيد،بكل أرجاء الغرفة،الحناء الطبيعية التي كنت أفرح بها في يدي الصغيرة،مع أنها كانت عبارة عن دائرة في وسط باطن الكف،أو بمقدار قبضة أطبق عليها أناملي الرقيقة بحرص شديد تلف بشكل محكم بقطعة قماش تقص خصيصا من أجل هذه المهمة،فلا يكون العيد عيدا إلا ويدي مخضبة بالحناء،وليس كحناء وقتنا الحاضر التي أضيفت لها مواد كيماوية ألبستها لونا جميلا لكنها سرقت منها رائحتها الطبيعية .
وكان أبي يحرص على توزيع البهجة علينا،فلا تزال في ذاكرتي تلك الثياب التي كانت كالإبتسامات الجديدة والعيون الملونة ببهاء صبيحة العيد،وكنت أدفن جسمي في ملابسي الجديدة،وأنا أحضنها،وأضعها قرب وسادتي لتنام معي،أنتظر حلول الفجر الذي كنت أستدل على بزوغه عبر مكبرات الصوت التي تردد التكبيرات الممزوجة بأصوات المصلين ، لأقفز وأوقض إخوتي من النوم الذي فارقنا طوال الليل،وأسرع لأرتداء الملابس الجديدة وأركض بعدها لبيوت الأقارب والجيران لملئ جيوبي بفلوس العيد،والمرح في ساحات الألعاب بالبالونات الملونة وهي تتزاحم بأصابعي الصغيرة التي تفوح منها رشات العطر الذي أسرقه من أمي في غفلة منها،والتي تخبئه خوفا من أن ينفد .
ذكريات نقلتني الى سنوات سحيقة،تحتاج الى صفحات كثيرة لوصف مشاعري الطفولية،وأماكن وأشخاص وأشياء و…… ايام العيد،ذكريات لها طعم خاص في عالم مجنون يسوده الحب والتكافل والتآزر والتراحم والتلاحم وكثير من الفرح والسرور من الكبير قبل الصغير،أعيش بين قطوف الذاكرة المسكونة بالحب والعطش لأيام أقرب الى فراديس القلب ،زاخرةبذكريات مضيئة في ايام ناقعة نقية من القلب والحب المتدفق في حضن العائلة والأحباب والاصدقاء،أرتشف كأس الشاي مع بعضنا لا هدف بيننا سوى إسعاد بعضنا.،أحن للقديم بكل مافيه،أحن للمذاق المختلف لأجواء شديدة القرب من نفسي،وهي جزء مني ،كان هناك فعلا عيد….
اما اليوم فهو عيد صامت،اصبحت مجرد أسماء مزيفة على شبكة الإنترنت بلا صدق ولا مشاعر،مجاملات كادت تقتلنا بعد أن قتلت كل جميل فينا،اصبحنا نتحرك دون أن نلتفت حولنا،يمضي وتمضي بنا الأيام دون أن نشعر بلذتها،كأن الزمن توقف.كان العيد مجبولا بالشوق يومها كان في السماء جنة وأغلب الظن انها لم تكن خالية ممن رحلوا عنا.
اجل افتقدت جلسات كانت تجمعني في ألفة وود،افتقدت أشياء وأشياء كثيرة وأحلام امرأة حالمة يسهرها الزمن،تشتاق لصبيحة مشرقة صباح العيد،تنتظر المساء ليعود صخب بالبهو،افتقدت الجمال في روح انسانية،افتقدت ابتسامة أخي ومرح أخي الآخر ،وهدايا أبي، افتقدت لمتنا العائلية،افتقدت البسمة الصادقةالنقية والقلوب البيضاء،افتقدت الأفراح والأعراس،افتقدت ساعة صفوة مع طيور برية بريئة،افتقدت كل رائع بأيامي الخوالي الندية،….
حقيقة افتقدت طفولتي التي مضت بعفوية وعنفوان شبابي حين كنت صبية،افتقدت كل من له بصمة بحياتي النرجسية،فهل تعود تلك الأيام الخوالي؟
هيهات وهيهات!فذلك حلم بعيد المنال والزمان ولن يعود الى الوراء ،والقادم والآتي أشد وأصعب،وأكثر تعقيدا وتوترا وضغطا نفسيا واقتصاديا……
ويبقى الماضي رواية جميلة ، أحكيها في كل الجلسات،أجهز ها في صفحات مرشوشة بماء من ذهب .
وفي كل لحظة حنين ينتفض جسمي من برد الدهر،فتتناثر منه بقايا قبلات الماضي،فأنا أعاني من ذاكرة لا تكف عن العبث بتفاصيل الماضي ويبقى عبقه عالق بثيابي فللذكرى رائحة تلتصق دائما بكل الأشياء بكل الأماكن بكل الأشخاص،خلف الأبواب،رائحة زكية تعطر الأنوف وتدغدغ المشاعر حينا وتعصر القلوب حينا آخر،عبق تعجز يد النسيان أن تطاله،ودائما أتذكره ليس لجماله ولكن لبشاعة الحاضر.
وبغض النظر عن كل ماهو جميل وزمن بهي،فإن ثمة وجه يبدو ان الجميع قد اشترك في رسم معالمه،ثمة عرقلة مفاجئة للترتيب المعتاد لمعيشتنا،ولروتين حياتنا اليومية على نحو لا يحدث عادة،إلا بسبب وباء أربك النمط المعتاد للحياة،فهل تعود حياتنا لطبيعتها أسابيع أم سنوات بعد وباء كورونا؟
فاختلطت علي مشاعر بين فرح العيد ووداع رمضان،أحزن للفراق وأستقبل عيد الفطر ببسمة الاشتياق ولكن عيد بأية حال عدت يا عيد،بما مضى أم بأمر فيك تجديد، أم عدت لنا بدرس بل دروس، ولعل أهم درس تعلمناه من كورونا أننا أعطينا الدنيا أكبر من حجمها…….
ويبقى أمل العيش في سلم وسلام وعيد آمن وأمين ،هي من أكثر متمنيات الجميع.
اتمنى لكم عيدا سعيدا،وتقبل الله طاعاتكم.
مودتي ومحبتي وفاء العنزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى