تحقيقات وتقاريرسلايدر

نحن والغرب…جدلية الصراع و الهزيمة! .

تقرير / طاهر المنيفي / السعودية

منذ سقوط الخلافة الإسلامية، وتسلط الغرب وصعوده إلى قمة الحضارة، والعقل العربي والاسلامي يعيش عقدة النقص والتهويل، وتضخيم الأمور، والاسترخاء بوهم «سقوط الحضارة الغربية»، وسقوط حضارة الرجل الأبيض.

ومنذ بروز الحضارة الغربية، وهي بارتفاع وارتقاء حتى وصلت إلى ما لم يكن يتصور الإنسان أن تصل يده إليه، والعقل العربي مازال يراهن على هذا السقوط، ويلف نفسه بعباءة الوهم ويجلس ينتظر، بدل أن يغرس زهرة في هذه الأرض، يدفع بها نحو انسانية الحضارة، ويساهم في دفع عجلة حضارة الإسلام، ويتناسى العقل الإسلامي بثقافته المسطحة أن سقوط الغرب لا يعني ظهور الإسلام والمسلمين، ويغفل عن سنن الله في الكون، (وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده) فمن فقه السنن التاريخية والكونية استطاع أن يمسك بزمام الأمور، ويقلب صفحة التاريخ ليدون فيها اسمه.

في تحليله للمجتمعات، والظواهر الاجتماعية، يطلعنا الامام مسلم – رحمه الله – في صحيحه على رواية في كتاب الفتن، تعبر عن مدى الفهم والعمق والموضوعية التي يبنغي النظر فيها عن النظر في الأمور، وتبصرة المجتمعات وفهمها الفهم الواعي الحق، وفي تحليل الظواهر الاجتماعية يكون الفهم الأعمق للواقع والحياة، وإذا صاحب ذلك فهم للنص الشرعي، عندها تتكامل الرؤية، ويكون المنظور شرعياً صحيحاً، فهنا في نص مسلم امتزج النص الشرعي، بالفقه الصحيح بفهم وتعليل النص، وجاءت الرواية عن المستورد(قال المستورد القرشي، عند عمرو بن العاص:

سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول (تقوم الساعة والروم أكثر الناس). فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة. وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة. وأوشكهم كرة بعد فرة. وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف. وخامسة حسنة وجميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك. )

كأن عمرو بن العاص، يرى تأويلاً للحديث أنهم بهذه الصفات قد استطاعوا الحفاظ على كيانهم وتماسكهم، ومع أن الحديث الآخر يقول إن الساعة لا تقوم إلا على لكع ابن لكع، أي كافر ابن كافر، ولكن تحدد الروم خاصة أنهم أكثر الناس آنذاك له مدلولات كبيرة ينبغي الوقوف عندها وتأملها، فالكفار ليسوا من الروم فقط، فلم اختير الروم كي يكونوا أكثر الناس آنذاك، ونحن نرى تكاثر غيرهم بصورة سريعة وغريبة، أمثال الصين واليابان وغيرهما من الدول والأجناس؟!

وما من شك ان الغرب اليوم هم من ذراري الروم، فالغرب يمثلهم خير تمثيل لأنهم أجدادهم.

من يزر الغرب تأخذه الدهشة، ويلفه الاستغراب، فهم لاشك أنهم أصحاب دين مبدل، وأصحاب التثليث، بل إنهم جعلوا الدين في آخر اهتماماتهم على المستويين الفردي والجماعي، ولكنهم مع ذلك يعيشون حالة من الاستقرار الدولي والمجتمعي، وحديثنا ليس عن الدين والمعتقد، بقدر ما هو ملاحظات على من يزور الغرب ويتعامل معهم، وفق منظور رواية ابن العاص.

والغرب اليوم يعيش حالة النظام والتنظيم على مستوى الجماعات والدولة، فالتنظيم الدقيق لكل شيء وكل مرفق من مرافق الدولة محسوب بدقة وعناية ونظام، وتجد الأمن والأمان في أكثر ربوع أوروبا، ولا تجد انتشار الفساد الأخلاقي – وفق ثقافتهم، والدعايات للفواحش – إلا في أماكن مخصصة بذلك، وإنما هي ثقافتهم وأخلاقهم التي لم نتعود نحن عليها نظراً لتحريم الدين لكثير مما يمارسه الغرب، مثل التبرج الزائد، وبعض سلوكيات يرفضها الحس الإنساني في الأماكن العامة، ولكنها تتوافق مع ثقافتهم وتربياتهم، وماعدا ذلك، فالكل محكوم بقانون نحن نفتقده في الشرق الإسلامي.
و أيضاً استطاع الغرب أن يحوز على أسرار القوة فيحكم العالم، وينشر ثقافته بل يفرضها على كل العالم، و ما الهمبورغر و الجينز والسينما إلا جزءيسير من هذه الثقافة الغربية، و ما تقبلنا لهذه الثقافة إلا دليلاً على الهزيمة النفسية أمامه، و الضعف الذي منينا به، وعدم فقه الأسباب و حركة الصراع الحضاري، فأصبحنا أمة مغلوبة بالسلاح، ومنذ ذلك الحين ونحن نتراجع حاملين معنا معول هدم ثقافتنا وبناء ثقافة الغرب!
و في حقيقة الأمر، أن هذه الهزيمة النفسية ليست وليدة اللحظة، بل إنها ركام هائل من التصورات الفاسدة، و التواريخ العتيقة، و الانتكاسة إلى الوراء، فبدل أن نتقدم خطوة نذهب لنعود أدراجنا كالتي نقضت غزلها أنكاثاً.
لقد تفوق الغرب في الصراع الحضاري على المستوى الدولي و المجتمعي، و انحسر و تضاءل على المستوى الفردي، ونحن التفتنا إلى ما انتكس فيه الغرب فأخذناه، وما ارتقى فيه وعلا فتركناه!
بمعنى آخر، أننا تطلعنا إلى تقليد الغرب على المستوى الشخصي، فقلدناه في اللباس و المظهر والانفلات و غيرها من الأمور التي أحدث فيها الغرب قطيعة أبدية مع السلوك الإنساني، والدين بصفة خاصة، و اعتبرنا أن ذلك هو قمة التحضر بل أصبح بعضنا يلوك كلمات بلغة أجنبية بصورة فيها من العبث، والفجاجة، والآخرون يخلطون كلمات عربية بأخرى أجنبية ليخرجوا بمصطلحات لا هي عربية ولا غربية، كأنها ابن لُغية!
إننا أمة تملك كل أسباب النصر والتمكين، فلم لم نستطع أن نكون كالغرب بل أن نتجاوزهم في التحضر والمدنية؟
لقد ذكرنا طرفاً من حديث الروم حديث (عمرو بن العاص) رضي الله عنه ، ومما جاء
في وصفهم(أسرعهم إفاقة بعد مصيبة)!
و تلك ميزة واضحة جداً ولصيقة بهم، فقد خربت الحربان العالميتان أوربا تقريباً، ولكن في زمن قياسي، استطاع الغربيون ومنهم ألمانيا و فرنسا وبريطانيا أن يعيدوا ترتيب أوراقهم، ويبنوا المدن والحياة من جديد، ومن ير اليوم ماهم فيه، لا يظن أنهم مروا بمثل تلك الحروب، أما نحن فلا نزال نبكي على الغزو والحروب الاستعمار و لم نستطع أن نبني المجتمع والدولة بناء يتناسق ويتناسب مع الواقع العالمي اليوم.
إن مشاجب العقل العربي و الإسلامي جاهزة لتعليق أخطائنا على الآخرين، فكثيراً ما نسمع أننا أمة مرصودة، و أننا ضحية مؤمرات غربية، وأننا لا نستطيع التنمية والارتقاء لأن الغرب يرصد ذلك ويخربه ويدمره!
إنه الوهم العقلي الذي يجعلنا تحت ضغط هذا الفهم، أليست اليابان و ألمانيا مستعمرتين من قبل الغرب؟ كيف استطاعت الدولتان فرض سيطرتهما وهيبتهما على العالم اليوم، حتى أصبحت اليابان المنافس الأقوى للأمريكان في العالم!
إنه التصميم والإرادة، وعدم القبول بالضعف والاستخذاء، و من يقرأ في طريقة صناعة سيارات”الهوندا” و هو اسم الرجل الذي جاء بالاكتشاف وقلد الصناعة الغربية، يأخذه العجب، كيف يمكن لإنسان كل هذا الجهد والعمل والتضحية؟
بل من يقرأ تاريخ لندن وكيف دمرت أثناء القصف، ثم بنيت من جديد، ليقف حائراً متلدداً!
نعم هناك فجوة كبيرة في ديار العرب والمسلمين، بين الحاكم والمحكوم، و لكن ليست هذه هي القضية، إن القضية أكبر من ذلك بكثير وأعمق، إن الأمة مع كل الأسى و الحزن، لم تتعود على النظام، ولم تتعود على احترام القانون، و لهذا فالشعوب تحت ضغط العبودية، و ترضى بالفتات والقليل، ولم تدافع عن حقوقها، وتترك التفكير في نهضة الأمة، وتتلهى بالبحث عن قوت يومها!
عندما كانت الحضارة الإسلامية في أوج تقدمها، كان الآخرون يقلدونها في كل شيء، حتى في طريقة الكلام، و ياللمفارقة! نحن عندما ترجمنا كتبهم الفلسفية واليونانية وغيرها، اضطربت عقيدة الأمة لأنها دخلت في صلب المعتقدات، ولكنهم عندما ترجموا كتبنا و سرقوا الكثير منها، قامت نهضتهم على أكتاف علومنا، فبدل أن نسترد أمجاد آبائنا، أصبحنا نبكي و العاقل منا يفتخر أنها علوم عربية، إننا نريد أن نستورد من الغرب ملفيه صلاح مجتمعاتنا وازدهارها، دون ازدراء أنفسنا بل نحن أصحاب دين عالمي لا بد أن تكون له دورته الحضارية التي تأخذ بأسباب التمكين والعزة، و لا يكون ذلك إلا من خلال مراكز أبحاث لصناعة القيادات و المفكرين والعلماء، لأن النهضة هؤلاء روادها، وليس الهمج الرعاع./طاهر المنيفي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى