سلايدرمقالات

د / عبدالله نور الدين / يكتب “” دور المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) في طرح الحلول الرقمية لحماية الابتكارات والإبداعات الذهنية (WIPO PROOF)

 

في ظل التطور السريع الذي يشهده الاقتصاد الابتكاري في نطاق الإبداع الذهني على المستويين الوطني والدولي، وما يتطلبه من وجوب توفير خدمات رقمية سريعة توفر الحماية لهذا الإبداع الفكري. نجد في المقابل أن الأفراد والمؤسسات يواجهون بُطْئًا في الإجراءات الإدارية للحصول على الحماية القانونية لإبداعاتهم الفكرية على المستوى الوطني نظرًا لاعتبارات عدة؛ فحصول الاختراع على براءة يحتاج لفحص وبحث مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ونصف؛ كما تستغرق مدة بحث جدة العلامة والنموذج الصناعي مدة لا تقل عن عام ونصف، وفي حالة رغبة صاحب العلامة في الحصول على الحماية الدولية للعلامة فقد تزيد المدة المذكورة لمدة أخرى مماثلة؛ ونعتقد أن الأمر لا يختلف كثيرًا في معظم الدول العربية.

لذلك، سعت المنظمة العالمية للملكية الفكرية إلى طرح حلول مبتكرة تُتيح للمبتكرين – في المجال الصناعي – والمبدعين – في المجال الأدبي والفني – حفظ حقوقهم على الابتكارات التي يتوصلون إليها، دون المرور بعقبات التسجيل الإدارية، وذلك من خلال طرح خدمة رقمية جديدة تُديرها المنظمة وتشرف عليها.

ومن هذا المنطلق، فقد توصلت الجهود التي بذلتها المنظمة العالمية للملكية الفكرية في أكتوبر عام 2019 إلى إنشاء خدمة WIPO PROOF، ولقد وافق على اعتماد هذه الخدمة والكشف عنها بالإجماع أكثر من 190 دولة عضوًا خلال الجمعية العامة للمنظمة، وقد أُطلقت الخدمة رسميًا في مايو عام 2020.

ومن أهم ما يميز خدمة WIPO PROOF استخدامها كآلية لإثبات التاريخ والتوقيت الذي تم التوصل فيه إلى الابتكار الذهني الرقمي، وذلك من أجل توفير وسيلة سريعة وآمنة تثبت تاريخ الإبداع وتوقيته، ليكون دليلًا موثقًا يمكن التحقق منه في حالة وجود نزاع بشأن وجود الملف الرقمي أو التشكيك في صحته؛ وعليه، يمكن استخدام هذه الخدمة كدليل على ملكية الابتكار الذهني؛ إذ إن هذه الخدمة تماثل في الغاية خدمة التوثيق الرقمي.

وتُعد خدمة WIPO PROOF خدمة إلكترونية عالمية صُممت وفقًا لأعلى المعايير العالمية باستخدام أحدث التقنيات التكنولوجية، كما تصف المنظمة هذه الخدمة بأنها سهلة الاستخدام وكفيلة بأن توفر بسرعة الدليل القاطع على وجود ملف رقمي تم تحميله في توقيت زمني محدّد، وأن ذلك الملف لم يتعرّض لتغيير منذ ذلك الوقت؛ كما أوضحت المنظمة أنَّ الخدمة قد استحدثت رمزًا مميزًا وبصمة رقمية من الملف أو البيانات في التاريخ والتوقيت الذي تم فيه تحميل الملف الخاص بالابتكار الفكري.

وتكتسب هذه الخدمة ثقة جُل الجهات والمنظمات والأجهزة الإدارية للدول الأعضاء كون الجهة التي أصدرتها هي المنظمة العالمية للملكية الفكرية وهي أعلى جهة دولية تعمل على الإعلاء من شأن حماية حقوق الملكية الفكرية، وبالتالي تساعد تلك الخدمة الرقمية على حماية الإبداعات الذهنية في كثيرٍ من فروع الملكية الفكرية بطريقة تتناسب مع سرعة التطور التكنولوجي.

وإذ يعتمد هذا النموذج الرقمي على توليد كميات هائلة من المخرجات الفكرية القيّمة في شكل ملفات رقمية – تشمل الأعمال الإبداعية ونتائج البحث ومجموعات تدريب البيانات على خوارزميات الذكاء الاصطناعي – تم تصميمها بشكل يصعب انتهاكه أو اختراقه. ولا تقوم المنظمة العالمية للملكية الفكرية – أو تابعيها – بقراءة محتويات الملف أو الاحتفاظ بنسخ منه، حيث يستخدم WIPO PROOF خوارزميات آمنة أحادية الاتجاه بغرض استحداث بصمة رقمية فريدة للملف الخاص بالابتكار الفكري المُحمَل. 

ولقد استوفت خدمة WIPO PROOF المعايير الأمنية والتقنية التي وضعها كل من المعهد الأوروبي لمعايير الاتصالات، وهو أحد هيئات وضع المعايير المعترف بها رسميًا في الاتحاد الأوروبي، والمنظمة الدولية للتوحيد القياسي، وهي منظمة دولية غير حكومية مستقلة تضم في عضويتها 165 هيئة وطنية للتوحيد القياسي.

ويُذكر أن خدمة WIPO PROOF لا تعد بديلًا عن التسجيل لما هو مطلوب تسجيله في مجال حقوق الملكية الصناعية – بأشكالها المختلفة – أمام الجهات الإدارية المختصة، إذ إن جُل الأنظمة القانونية حول العالم في معرض حماية الابتكارات الصناعية تستلزم التسجيل أمام الجهات الإدارية المعنية؛ فلن تتمتع بالحماية القانونية – في مجال البراءات – إلا عقب إصدار شهادة بتسجيل الاختراع والحصول على البراءة، وبصدورها يتمتع مالك البراءة بكل أنواع الحماية القانونية المقررة، أما في مجال العلامات فلن تتمتع بالحماية الجنائية أو الإجرائية للعلامة إلا عقب تسجيل العلامة لدى الجهات الإدارية المختصة. وكذلك الحال فيما يخص الرسوم والنماذج الصناعية فيمكنك الحصول على الحماية القانونية بكل أشكالها عقب التسجيل أيضًا أمام الجهات المختصة، إلا إنه يجوز – في بعض الحالات – الحصول على الحماية القانونية بكل أشكالها – إجرائية وجنائية ومدنية – دون تسجيلها، إذا توافرت في الرسم أو النموذج الصناعي شروط الحماية طبقًا لأحكام النظام القانوني لحق المؤلف، وذلك استنادًا إلى ما يُعرف بـ “نظرية وحدة الفن”.

وجديرٌ بالذكر أن الحديث عن هذه الخدمة في ضوء النظام القانوني لحق المؤلف لن تجد لها دورًا كبيرًا، إذ إن المؤلف في مجال الإبداعات الذهنية – سواء أكانت فنية أم أدبية أم علمية – يكتسب الحماية القانونية من لحظة الإبداع دون حاجة إلى أية إجراءات شكلية؛ حيث إن هذه النوعية من الإبداعات تكتسب الحماية القانونية من لحظة ميلادها دون حاجة لإيداعها لدى أية جهة إدارية؛ إلا أنه من الناحية العملية يُفضل المبدعون إيداع المصنفات لدى الجهات الإدارية المختصة، وذلك بهدف إثبات تاريخ الإيداع حال نشوب أي نزاع حول ملكية المصنف.

ويُذكر أنَّ هذه الخدمة الرقمية تشبه – إلى حدٍ كبير – الخدمة التقليدية التي كانت تقدمها مصلحة الشهر العقاري والتوثيق في الماضي للمبدعين، وهي ما تُعْرَف باسم “إثبات التاريخ للمحررات”، حيث كان يتم استخدام هذه الخدمة – في السابق – لإثبات التاريخ الذي قدم فيه المصنف إلى مكتب الشهر العقاري، سعيًا من المُبدع إلى إثبات حقوقه على ما أبدعه من أعمال ذهنية، وقد استُخدمت هذه الخدمة حتى صدر الكتاب الدوري رقم (٢٨٨) بتاريخ ١٠/١٢/٢٠١٤ من الإدارة العامة للبحوث القانونية بمصلحة الشهر العقاري والتوثيق بوزارة العدل، والذي حظر توثيق أي تصرف يرد على أي من المصنفات الواردة بالمادة رقم (١٨٥) من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية بمكاتب مصلحة الشهر العقاري.

وعلى صعيدٍ آخر، يبرُز دور هذه الخدمة – من وجهة نظرنا – في مجال المعلومات غير المفصح عنها، إذ تلعب هذه الخدمة دورًا مهمًا للغاية في مجال إثبات حقوق صاحب هذه المعلومات، وذلك نظرًا للطبيعة الخاصة التي تتسم بها هذه النوعية من الابتكارات الفكرية بما يميزها عن غيرها من الابتكارات في المجال الصناعي؛ إذ إن المعلومات غير المُفصح عنها لا يتم تسجيلها أو إيداعها أمام جهة إدارية معينة، إلا إذا كنا بصدد منتجات دوائية أو منتجات كيميائية زراعية؛ فيجب تسجيلها أمام الجهات الإدارية المعنية حتى يُسمح بطرحها وتداولها بالأسواق، حيث تكتسب المعلومات غير المفصح عنها الحماية القانونية طالما أن صاحبها أبقى على سريتها، وهو ما يمنحها القيمة الاقتصادية نظرًا لما يبذله صاحبها من مجهود للإبقاء على تلك السرية؛ ومن ثم فإنها عُرضه للانتهاك أكثر من غيرها من الابتكارات الفكرية الأخرى التي يمكن تسجيلها أو إيداعها. 

وجديرٌ بالذكر أننا قد أوصينا – في ورقة بحثية – عام 2013 بإنشاء بنك معلومات يُسمَّى “بنك المعلومات غير المفصح عنها”، وتختص المنظمة العالمية للملكية الفكرية بإدارته والإشراف عليه، على أن يودع صاحب المعلومات السرية هذه المعلومات بالبنك، ويشترط لقبول إيداع المعلومات السرية في بنك المعلومات غير المفصح عنها، أن يتوافر بها الشروط العامة لحماية المعلومات غير المفصح عنها، على أن يتم إيداع تلك المعلومات دون الاطلاع على محتواها من قبل إدارة البنك أو أي شخص آخر حفاظًا على طبيعتها السرية.

ومن هذا المنطلق يأتي دور المنظمة العالمية للملكية الفكرية كونها المسئولة عن إدارة هذا البنك، وذلك حال قيام نزاع حول ملكية المعلومات السرية، أو في حالة الحصول على المعلومات السرية بطرق غير مشروعة، ففي هذه الحالة يكون البنك هو المسئول عن إعداد تقرير يقدم إلى الجهات الحكومية أو الهيئات المختصة لبيان عما إذا كانت تلك المعلومات مودعه لديه كمعلومات غير مفصح عنها من عدمه، ولأي منتج تخص هذه المعلومات، فضلاً عن تاريخ الإيداع، وبيان الشخص صاحب هذه المعلومات السرية.

 على أية حال، فقد توصلت الجهود المبذولة – من قبل المنظمة العالمية للملكية الفكرية – إلى إنشاء خدمة WIPO PROOF باعتبارها خدمة رقمية توفر بصمة رقمية مزودة بالتاريخ والوقت لملف رقمي خاص بابتكار ذهني، تساعد المبُتكر في تأمين حقوقه على إبداعه الفكري وتوثيق المراحل التي تمر بها ابتكاراته الفكرية. من أجل توفير الحلول وصولًا لأفضل مستوى حماية للابتكارات الذهنية في مختلف فروع حقوق الملكية الفكرية، الصناعية والأدبية والفنية.

وفي ضوء كل ذلك، فقد باتت التساؤلات تدور حول الخدمة المستحدثة من قبل المنظمة العالمية للملكية الفكرية، هل تعد WIPO PROOF هي الآلية المستقبلية لتسجيل حقوق الملكية الفكرية أو إيداعها؟ أم أن خدمة WIPO PROOF تمثل مرحلة سابقة على الإجراءات الرسمية لتسجيل حقوق الملكية الفكرية المنصوص عليها في القانون رقم 82 لسنة 2002م الخاص بحماية حقوق الملكية الفكرية، وذلك لإثبات تاريخ الابتكار؟ وما مدى استجابة الجهات الإدارية التابعة للدول الأعضاء بالمنظمة لهذه الخدمة في ظل الوضع التشريعي القائم؟ وما الذي ستُحدثه هذه الخدمة من تغيرات في مجال الاقتصاد الابتكاري؟ وما مدى تأثيرها على الإبداع الفكري؟

وختامًا فإننا نرى أن المستقبل القريب سيأتي حاملاً في طياته العديد من الإجابات لكل هذه التساؤلات – وغيرها -، وذلك من خلال الجهود التي ستُبذل من قبل الدول الأعضاء بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية تجاه استحداث حلول تشريعية تتلاءم مع السباق التكنولوجي المحموم، وكذلك من خلال مسلك المبتكرين تجاه هذه الخدمة، واهتمامهم بها كآلية لصون حقوقهم، 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى