سلايدرمؤتمرات

بحضو، رؤساء اتحاد الكتاب علي مستوي الوطن العربي والضويني وارميا ” وطلال حيدر انطلاق مؤتمر الإدباء والكتاب اىعرب بالقاهرة

 

كتب/حسن بدر

شهدت قاعة مؤتمرات الأزهر انطلاق أعمال اجتماع مجلس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب للإعلان عن الفائزين بجوائز أحمد شوقي الدولية لشعر الفصحى وفؤاد حداد العربية للشعر العامي .

وفي كلمته قال الشاعر والمفكر الكبير الدكتور علاء عبدالهادي الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب ورئيس مجلس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر :

الحضورُ الكرام
سلام من الله عليكم ورحمة وبركة
أود في البداية ان أتقدم باسمي وباسم مجلس الأمانة العامة لاتحاد الكتاب العرب بخالص الشكر ووافر الامتنان الي فخامة السيد رئيس الجمهورية حفظه الله ورعاه وإلى وزارة الداخلية وجميع الأجهزة المعاونة والسيادية لما قدموه من جهد لانجاح هذا الاجتماع.

أرحبُ بكم باسم مِصرَ، وباسم الثقافة العربية الشامخة بحضور خمسةَ عَشَرَ اتحادا عربيا يمثلون آلافَ المثقفين والمبدعينَ والكتابِ والأدباءِ العرب من المحيط إلى الخليج، كما أرحب بالأمين العام لرابطة الأدب الإفريقي وبنائب رئيس الرابطة التي تمثل كتابَ خمسةٍ وأربعين قطرًا إفريقيًّا،
دعوني بداية أشكرْ فضيلةَ الإمام الأكبر معالي الدكتور أحمد الطيب على هذه الاستضافة الكريمةِ وأقول فيه ما قاله الشاعر:
وأفضلُ الناسِ ما بينَ الورى رَجُلٌ
تُقضَى على يَدِهِ للنَّاسِ حاجاتُ
قدْ ماتَ قومٌ وما ماتتْ مكارمُهُم
وعاشَ قومٌ وهم في الناس أمواتُ
والآن، وقبل الشوق وبعده، لأرواح شهدائنا في فلسطين المحتلة، ولأرواحِ شهداءِ السيادة والواجب في مصرَ وسوريا والعراق ولُبنان واليمن وليبيا وتونُس والجزائر والسودان وبقية الدول العربية التي عانت من الإرهاب والتطرف الفكري والعقدي الرحمةُ والسلام، فاسمحوا أن نقفَ دقيقةً حدادا على أرواحهم الطاهرة
نشرف بكم، ويشرفنا أن نكونَ مجتمعينَ في مصرَ، وأن نشاركَ ونتشاركَ معًا، وفي هذا ما يؤكد دائمَا إن شاء الله ما يعكس تميزَ العَلاقةِ التاريخية بين اتحاداتنا منطلقينَ من إدراكٍ راسخ بتوافرِ مصالحَ مشتركةٍ بيننا، جمعتْها التحدياتُ التي تواجه أمتَنا.
وأقولُ لزملائي أصحابَ السعادة رؤساءِ اتحادات الكتاب العرب مُرَحِبًا ما قاله الشاعرُ:
فيهم ومنهم يعد المجدُّ متّلِدًا
ولا يعُدّ نَثَا خزيٍ ولا عار
لا ينطقون عن الفجشاء إن نطقوا
ولا يمارون إن ماروا بإكثار
من تلق منهم تقُلْ لاقَيْتُ سيّدَهُم
مثلَ النجوم التي يسري بها الساري
هينون لينون أيسار ذوو كرم
سوَّاس مكرمةٍ أبناءُ أيسارِ
أصحاب السعادة
نفتتح اليومَ حفلَ انعقاد مجلس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وقد فضلنا أن يكون مجتمعا مع حدث مهم آخر، له بعده العربيُّ الممتدُّ، وهو الاحتفالُ لتسليم جائزةِ أحمد شوقي الدولية للإبداع الشعري، وجائزةِ فؤاد حداد العربية للشعر العامي. وللجائزتينِ الدوليتينِ أبعادٌ عربية لا تقوم الجائزتانِ إلا بها، سواء لأمير الشعراءِ أحمد شوقي وإمارته العربية قومًا وقيامة، أو لأمير شعريٍّ آخر هو اللُبناني البروتستانتي أصلا، السوري الكاثوليكي أمّا، المصري العروبي المسلم اختيارًا فكانتِ الجائزةُ باسمه: هو الشاعر القومي الكبير فؤاد حداد. هذه هي المظلة العربية الواحدة التي انتبه إليها مجلسُ النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، نتقيّظُ بها من لفح النزاعات وسطوةِ التخلف والاختلاف، ولا نجتزئ بها، لكنها خطوةٌ نحو لحمة عربية مشتركة، هكذا قررتِ النقابةُ أن تُمنحَ كلُّ جائزةٍ إلى اثنين مصريٍّ وعربي.
القادةُ الأفاضل، أصحابَ السعادة
أهم ما في القيادة أيها القادة هو أن يستطيعَ القائدُ أن يشاركَ حلمَه مع الآخرين! وأن يسعى معهم إلى تحقيقه. وهذا ما بدأ به القادة أعضاءُ مجلسِ الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، انطلاقا من أولِ جلسة، فبعد تسلمِي رئاسة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. قررنا بالإجماع الالتزامَ بمجموعةٍ من الأهداف يمكن أن أجملها في افتتاحنا لمؤتمر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب هذا على النحو الآتي:
أولاً: دعمُ البنية الثقافية للمواطن، ونشير هنا إلى ما تتعرض له أوطانُنا العربيةُ من خطر متواتر لتطرف وإرهاب يجبُ أن نبادرَ جميعا متكاتفين إلى مقاومته على المستوى الثقافي بخاصة دون مهادنة، لتجفيف منابعه, وإبطالِ مبادئه الفكرية التي قام عليها، لو كانت له مبادئ.
ثانيًا: تحويل الاتحادِ العام إلى مؤسسة حقيقية، على مستويي الشكل والأداء، ومن خلال ممارسةٍ ديمقراطية فاعلة لا تكتفي باللغةِ والبيان، بل تنطلق إلى إحداث نتائجَ مقصودةٍ في واقعها المعيش، وهذا ما قررنا إنجازَهُ بالبدء في إنشاء موقع إلكتروني للاتحاد العام، وإعادةِ إصدار دورية الكاتب العربي في شكلها الجديد، فضلاً عن إصدار كتاب عن وثائق الاتحاد العام منذ أولِ اجتماعٍ له حتى الآن، وإنشاء أرشيف أولَ مرة لحفظ تاريخ هذا الاتحاد، وذلك بعد أن انتهينا من وضع نظامِه الأساس الجديد واعتمادِه، ويُعرَضُ في هذا الاجتماع مقترحُ اللائحة التنفيذية الجديدة، هذا فضلا عن دعم العلاقات الثقافية مع المؤسسات العربية والدولية الكبرى، وقد وقعنا اتفاقًياتِ تعاون مع جامعة الدول العربية، ورابطة الأدب الإفريقي، ونَعُدُّ الآن لتوقيع اتفاقية تعاون وتبادل ثقافي مع الصين. وهذا جزء من كل، كما نسعى الآن لوضعِ آليات مشاركة جمعية وقوية ما بين الاتحادات العربية, لاستنفار القوى الكامنة وغيرِ المستغلة للثقافة العربية بمختلفِ شكولها.
ثالثًا: الاهتمام بمشروعات الترجمة العكسية من خلال خُطّة إستراتيجية واضحة وعلى نحو إداري وعلمي دقيق، ولا يفوتُنا هنا أن نقدمَ وافرَ الامتنان والشكر لسمو الشيخ سلطان القاسمي على أكثر من مبادرة بدأ تنفيذَها في هذا الصدد في دولة الإمارات.
رابعًا: إنجازُ أنثولوجيات نوعية -بلغتين- عن كبار مبدعي العالم العربي ونقاده ومفكريه للتعريف بحراك الأدب العربي، بمن نحن وماذا نريد..
خامسًا: الوقوف مع حرية الإبداع والمبدعين. فلا يجب أن يُمَسَّ أمنُ المثقف بسبب رأيٍ أبداه أو معتقدٍ اعتنقه.
سادسًا: إنشاءُ الأرشيف البصري للثقافة العربية، اعتمادًا على اللقاءات الفكرية مع أهم مفكري العالم العربي ونقاده ومبدعيه على نحو يشكل خِزانةً بصرية للأدب العربي في أعلى تجلياته ويمكن أن تكون التجربة الرائدة للنقابة العامة لاتحاد كتاب بمصر مفيدةً في هذا الشأن.
سابعًا: الانتباه إلى خطر من أهم الاخطار التي تهدد أمننا الثقافي العربي وهو الخطر الجاثم على المؤسسات الثقافية أمام سطوة التطبيع وإغراءات المحتل في أزمنة التراجعِ والالتباس، مؤكدين تجديدَ موقفِنا المساندِ للقضية الفلسطينية، ولحقِّ شعبها في إقامة دولتِه المستقلة وعاصمتُها القدس، وذلك محافظة على أهم ثابت من ثوابت ضميرنا الثقافي العربي.
الحضورُ الكرام
يقول جبران خليل جبران: “يكتُب بعضُنا لمن ماتوا, ولا يدري أن قُرّاءَه في المقابر, ويكتب بعضنا لإرضاء معاصريه حاسبًا أن في ذلك العظمةَ والخلود فيخطئ المرمى, ويكتب بعضنا لأنه إن لم يكتبْ يمت، وهذا من الخالدين”.
منذ أربعةِ وعشرين عامًا احتفل العالم أول مرة لليوم العالمي للشعر، وفق تسمية منظمة اليونسكو، التي قررت في دورتها الثلاثين المنعقدة في باريس 1999، اعتماد الحادي والعشرين من مارس من كل عام ليكونَ اليومَ العالمي للشعر، وكأننا أمام وعى عالمي وثقافي جديد يعيد للشعر أهميتَهُ فى صوغ العالم. ذلك لأن الشعرَ هو الآخرُ والمختلِفُ المختلَفُ القاطن فينا لغةً وخيالاً وحضورا، فإذا كان الألم هو أسرعَ دابة إلى الكمال، فإن الشعرَ هو التعبيرُ عنه، هو الذى يأخذُ بأيدينا إلى شجونا، وإلى إنسانيتنا التي نضفيها إلى الأشياء، ونحن نستدرج أرواحها للخروج، كيما نعلنها لقرائنا، وكأننا نراها معهم أول مرة.
وفي هذا السياق أظن أنني لا أعدو الحق إذا قلتُ إن أحمدَ شوقي كان الوعدَ الشعريّ القابعَ في التاريخ الذي انتظره الشعرُ العربي وأبى أن يشرقَ إلا بعد عشرة قرون خلت من بعد المتنبي، ومن بعد ركود اطردَ طويلاً، كاد الشعراء أن يتنكبوا طريق الشعرِ فيه حتى أتي شوقي ليرجعَه إلى سيرته الرفيعة، صيداحًا وهو يعيد الإحياءَ في جسدٍ وإرث، وفخرِ أمة كاد أن يغيبَ، فعاش المجدَ مفتوحَ العينين، مُطْلَقَ الجَناحين احتوته الأخيلة والذاكرةُ الشعرية دون أن تجتويه، بما اجتمع له من روح قوي، وأدوات شعر، وبما تهيأ له من موهبة فذة، ومعرفة بموائل الشعر، وعيونِه، وما تيسر له من أسبابه، فوضعه كلُّ هذا في مكان اجتناه، وفي مكانة اجتبته، ندر أن يصل إليها شاعر من قبل على مر تاريخ الشعر العربي الحديث.
وفى 1932 رحلَ شوقي عن دنيانا ، كان شوقي يخشى الموت، فرزقه الموتُ الخلودَ والحياة، ومع ذلك لم تفرد له الثقافةُ المصرية مؤسسة وأفرادًاـ جائزةً تخلدُ اسمه, وتؤكدُ موقعه الفريد في الشعرية العربية الحديثة، وهذا ما دفع النَّقابةَ العامة لاتحاد كتاب مصر إلى إفراد جائزة دولية باسمه، تمنح إلى اثنين مصري وغير مصري تكريما لذكراه، ووصلا لمنجزه، وإحياء لمكانة الشعر والشعراء.
وقد مُنحَتِ الجائزةُ في دورتها الأولى إلى الاعرين العربيين الكبيرين أحمد عبد المعطي حجازي من مصر، وعبد العزيز المقالح من اليمن.
وها نحن نعلن اليوم للفائِزَيْنِ بجائزة احمد شوقي الدولية للإبداع الشعري في دورتها الثانية، وقد تلمّسْنا في وضع شروط الجائزة أهم السمات الجمالية القارة في شعره، كما تحرينا فيمن أعطيت لهما الجائزةُ توافرَ هذه السمات، فهنيئا للواصِلَيْنِ والموصول..
أصحابَ السعادةِ والمعالي
للشعرِ العامي خصوصيةٌ مهمة تكمُنُ في قدرتِه الفائقةِ على اصطياد البداهةِ في العلاقات والأشياء بتَلقائيةٍ مدهشة. هو ذاكرة للأمة يحفظ لغتَها النابضةَ اليومية المتغيرة والحميمة من جهة, وهو من جهة أخرى يطور الفصحى، فشعرُ اللهجات المحكية من زجل وموشحات، وشعر نبطي، ومواويلَ، ومجاريدَ، وأغاني علم, وقوما, ودوبيت، وكان كان، وشعر شعبي… إلخ. شديدُ الثراء والتنوع ومن هذا التنوعِ تأتي الوحدة! فما يضمُّ هذه الأنواعَ في سبحة واحدة نسيجٌ قويٌّ ومترابط بين شكول التعبير العديدة المختزنةِ في الوجدان الجمعي على امتداد الجغرافيات الثقافية العربية، ومن ينكر سطوَةَ العامياتِ العربيةِ على أبنية النصين الروائي والمسرحي، وعلى المرئي والمسموع في فضائياتنا وإذاعاتنا العربيةِ كافة، أليست “اللهجات المحكية” هي من تقوم الآن بتشكيل الصور الذهنية لعموم المتلقين عن معنى الأنا والآخر، أليست هي التي تشكل الآن ما يرتبط بالوجدان والانتماء والمواطنةِ والقيم والهويةِ والاخلاق!
بناءً على هذا الواقعِ، وإسهامًا من النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر في حفظ اللهجات العامية العربية في بنياتها التاريخية الأصيلة، وجمالياتها الرفيعة، متمثِّلَةً في أهم مستودع من مستودعاتها الجمالية وهو شعر العاميات العربية قرر مجلس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، بموافقة جمعيته العمومية، إطلاق جائزةٍ لشعر العامية، وهى أول جائزة ثقافية كبرى من نوعها تُمنح لشعر العاميات العربية. واختارت النقابة للجائزة اسمَ شاعر مصر الكبير فؤاد حداد (1927- 1985) وهو الشاعر الفذ الذي انتمى إلى قضايا الوطن، ولم يتخل يومًا عن قضايا تحرر الإنسان بعامة، فعاش مجردًا من كل الأسلحة إلا الشعر ومن كل المكاسب إلا القصيدة التي شيدها بروح الثورة وطين الوطن والحنين نحو مُتَخَيَّلِهِ المشتهى..
نعلنُ اليوم لأربعة فائزين كبار من شعراء العامية فازوا بجائزة الشاعر الكبير فؤاد حداد الدولية للشعر العامي. ستظل اللهجات العامية موئلَ هويةٍ عزيزةٍ على الوصف مهما علا، والتصنيف مهما قارنَ المقارنُ واجتهد.
أصحابَ السعادة:
الآن ونحن نملك نبالةَ المعرفةِ والاعتراف, لن نعدَمَ أبدا من يقدّرُ الشروق. فالعينُ التي تحمّق، لا ترى الجمال! ربما أدركْنا ونحن نفتتح مجلسَ انعقاد الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ونحن نحتفل لجائزتين دوليتين عربيتين كبيرتين أحمد شوقي وفؤاد حداد، ونحن نطلق اليوم -بعد قليل- جائزة ثالثة وهي جائزة طه حسين الدولية للفكر، ونحن ندعو إلى حملة كبرى لاسترداد قطعة غالية من أرض مصرَ، حجر رشيد، ونحن نَعُدُّ لمؤتمر حاشد قادم لوضع الخطوط العامة لمشروع مصر القومي للثقافة بلجنته التأسيسية التي تضم ما يزيد على مئة وخمسين شخصية فكرية وتنفيذية ونقابية وفنية وأكاديمية، نرفعه إلى فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد الفتاح السيسي حفظه الله، ربما أدركنا نقاطَ قوتِنا ومكامنَ ضعفنا, وربما انتصرنا لأنفسنا, وربما حان بكم ومعكم وقت العمل والانطلاقِ والمجاوزة لما نستشعره من خطر ثقافي فادح يهدد ثقافتَنا العربيةَ, لعلنا نصلُ إلى رؤية ثقافية استراتيجية متكاملة ومشتركة، تؤكدُ حضورَ الثقافة العربية في المشهد العالمي، في الوقت نفسِه الذي نحافظ فيه على خصوصياتنا الثقافية, وعلى ثوابتِ الضمير الثقافي العربي على مر تاريخه المعاصر.
ولا يسعُني في ختام كلمتي سوى أن أجددَ لكم عهدي بمواصلة التعاون الوثيق مع كلِّ من يَمُدُّ يدَهُ في كل ما من شأنه أن يدعم من شراكتنا. ونعتذر عن أي تقصير. ومن مكاني هذا، أقول ربما عبر عن المقام من استشرف عليه، وربما عبر عنه من وصل إليه وذلك ملتبس إلا على صاحب بصيرة أيدكم الله وبارك عملكم وسدد خطاكم إلى الطريق الصحيح القاصد
شكرا لكم..

حرية الفكر والإبداع في الاسلام

ومن جانبه قال الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف ، إننا إذا تأملنا حاضرنا وما يشوبه من أفكار وثقافات فإننا قد نرى صورة أقل إشراقا وأكثر إخفاقا إذا ما قورنت بعصورنا الزاهرة، فلا يخفى على أحد ما تواجهه أمتنا من تحديات في مختلف المجالات وعلى الأصعدة كافة، وفي مقدمتها المجالات الفكرية، موضحا أننا الآن بين تيار جانح متشدد يقف حائلا أمام تقدمنا ورقينا، يستخدم العقول النابهة في اختراع ما يضر الناس كوسائل القتل والدمار، بدلا من الاستفادة من فكرهم في ما ينفع المجتمعات؛ وتيار ثان جمد عن التطور ومواكبة العصر نتيجة فهم خاطئ لمبادئ الأديان السماوية السمحة ولا سيما ديننا الإسلامي الحنيف، وتيار آخر وضع من الانحراف الفكري والأخلاقي بوابة ينفث بها سمومه ليدمر مستقبل الأجيال الناشئة، وهو ما يوجب علينا التصدي لها ومنع انتشارها، ولا أجدر ولا أقدر على مواجهتها من العلماء والمفكرين والأدباء الذين يخاطبون العقول والقلوب.

وأكد الدكتور الضويني، خلال كلمته بحضور نخبة من الكتاب والأدباء العرب؛ أن الأزهر يقف برمزيته الدينية وتأثير قادته، وعلى رأسهم فضيلة الإمام الأكبر، كأحد أبرز منارات الإشعاع الحضاري والإنساني منذ أكثر من ألف عام؛ يؤدي رسالته النبيلة ليستفيد منها شعوب العالم الإسلامي، ويحرص علماؤه على مقاومة الفكر المنحرف والمضلل عبر العصور، وحماية علوم الشريعة واللغة العربية، والدفاع عن مكارم الأخلاق، وتقديم العلم الصحيح في نفوس أبنائه، فضلا عن عشرات الآلاف من الطلاب الوافدين من مختلف بلاد العالم الذين ينهلون من علومه في أروقته ومعاهده وكلياته.

ولفت فضيلته إلى أننا في هذه الأيام نشهد في مصر العرس الثقافي السنوي، وهو معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يشارك فيه الأزهر وقطاعاته بمئات الإصدارات العلمية والكتب باللغة العربية واللغات الأجنبية، موضحا أن جناح الأزهر يقدم مجموعة متنوعة من الكتب والمؤلفات والإصدارات لشيوخ الأزهر الشريف وكبار علمائه وأساتذته، تلبي الاحتياجات الفكرية والثقافية والعلمية لمختلف فئات المجتمع، وتناقش قضايا فقهية وفكرية وفلسفية، وتستعرض جهود الأزهر محليا وإقليميا وعالميا، وأوضاع المسلمين حول العالم، لافتا إلى أن الجناح يعرض مجموعة من الإصدارات والمجلات المترجمة إلى ثلاث عشرة لغة أجنبية؛ تستهدف الأسرة والشباب والأطفال، وتعالج أبرز القضايا المعاصرة التي تشغل الباحثين وطلاب العلم، وتواجه المفاهيم المغلوطة، ومن أبرز هذه الإصدارات على سبيل المثال: “كتاب دفاعا عن القرآن ضد منتقديه ومقومات الإسلام» و«كلمات الإمام في التسامح والسلام للدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، و«الإسلام عقيدة وشريعة للإمام الراحل محمود شلتوت، و «نظرية الحرب في الإسلام» للشيخ محمد أبو زهرة، والإسلام» بن الحقيقة والادعاء» للدكتور محمود حمدي زقزوق، ووثائق الأزهر» ، والتعريف بالإسلام ) للشيخ عطية صقر، وغيرها من كتب في مختلف الفنون العلمية.

وأوضح وكيل الأزهر أن المولى -عز وجل-كرم الإنسان وميزه عن غيره من سائر الكائنات الحية بالعقل، حث في كثير من الآيات القرآنية البشر على التفكير، ودعا إليه في جميع مجالات الحياة؛ ولذا أعلى قدر العقل والعلم والعلماء، مبينا أن الإسلام دين الإبداع، والمبادئ، وقيمه الإسلامية موجهة للتفكير الإبداعي المنضبط، لافتا إلى أن هناك قصر في فهمه وإدراكه، وروج لشبهة تدور حول رفض الفكر الإسلامي لحرية الفكر أو الإبداع، وهذا يرجع إما للجهل بالإسلام، وعدم فهم حقيقة هذا الدين أو أنه ناتج عن رؤية أحادية غامقة لا ترى الدنيا إلا لونا واحدا، موضحا أن السبب في نظرة البعض إلى الفنون والآداب هذه النظرة الاتهامية هو الاعتقاد الخطأ بأن الدين مجال والفن والفكر مجال آخر متناقض معه وربما يناهضه، مؤكدا أن الحقيقة التي لا مراء فيها أن الإسلام دين يحمي حرية الإنسان في دينه وفكره وماله، ويحميه في فنه وخياله وإبداعاته، دين قائم على احترام كل ما ينتجه الإنسان من فكر وفن يخدم الدين، وأن لفظ الإبداع ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {بديع السماوات والأرض}، فالله أبدع الكون ومنه الإنسان، وللإنسان بما أبدعه الله فيه أن يبدع ويتفنن ويتجمل فيما حوله ولمن حوله.

وأشار فضيلته إلى كلمة جوستاف لوبون في مقارنة بين الإسلام وغيره فقال: (إن الإسلام هو الذي علم الإنسانية كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين، وقد كان يظن أنهما لا يجتمعان)، موضحا أن حرية الفكر في الإسلام كانت واضحة وضوحا لا حد له في كل الأعمال التي تتناول الأديان الأخرى، وكان مبدأ “الإنصاف” واضحا في هذا المجال، لافتا إلى أن قضية العلاقة بين العقائد والأديان ومدى تعارضها مع الفنون والآداب والثقافة النافعة للشعوب والمجتمعات في كل الأزمان؛ من أبرز القضايا التي تطرح نفسها في العصر الحديث، خاصة مع التطور الهائل في وسائل الاتصال التي دخلت إلى كل بيت وأصبحت “منبرا ” لا يسعى الناس إليه، بل يفرض نفسه عليهم بشكل رهيب، مؤكدا أن قضية العلاقة بين العقائد والأديان وهل تتعارض مع الفنون والآداب والثقافة النافعة؛ تحتاج إلى عودة ضرورية لصياغتنا الحضارية الإسلامية، وهذه العودة من شأنها أن تعيدنا إلى الأخلاق والأصالة، وأن تعطي القيم الإسلامية آفاقا بعيدة في التأثير على الناس وتوجيههم التوجيه الحميد، لافتا إلى أن وجود هذا المنتدى الثقافي الأدبي في قاعة مؤتمرات الأزهر؛ دليل على إيمان الأزهر ورجاله بدور الإبداع والأدب في إثراء البناء الثقافي للأمة وتعزيز هويتها ورقيها الفكري والحضاري، وفيه أبلغ رد على هذه القطيعة المدعاة بين الإبداع والدين، مؤكدا أن العقائد والأديان لا تتعارض مع الفنون والآداب والثقافة النافعة للشعوب والمجتمعات، التي ترتقي بالمشاعر، وتوجه السلوك.

كما حرص نيافة الأنبا أرميا على إلقاء كلمة نيابة عن البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية و بطريرك الكرازة المرقسية، حيث قال:نرحب بهذا الاجتماع والذي شرفه وجود أعضاؤه الكرام من مختلف الدول العربية الشقيقة على أرض الكنانة مصر ، وأننا حين نتحدث عن طبقات حضارية تبدأ بالفرعونية ثم الرومانية والقبطية والعربية الإسلامية والتي تفاعلت مع بعضها وتمكنت الهوية المصرية من استيعابها جميعا واضفت عليها سمة حضارية وسمتها الخاصة وأن الحضارة المصرية اضفت على كل تلك الطبقات الحضارية سمتها المصرية الأصيلة ولم تكن أبدا حلقة مفعول بها.
مضيفًا : أنه حينما اعتنقت مصر المسيحية وكانت تحت الحكم الروماني لم تستطع الإمبراطورية الرومانية تحويل مصر عن المسيحية بل أجبر المصريون الحضارة الرومانية وعلى رأسهم الامبراطور الروماني بالاعتراف بالدين المسيحي ونشر المسيحية للعالم ، فمصر اصل الرهبنة ، فمن مصر خرجت الرهبنة إلى العالم وساهمت مكونات مصر الخاصة هي التي حملت مصر والمصريين في مراحل التقلب التي مرت بها المنطقة العربية وهي التي وقفت أمام العديد من المحاولات إلى عدم هدم بعض الأضرحة في العديد من القرى المصرية وهي التي وقفت أمام العديد من الأفكار الإرهابية ، وهي ايضا نجحت في 30يونيو 2013 لإنجاح إرادة الشعب ، وصمدت هويتنا المصرية أمام محاولات عدة استهدفت مجتمعاتنا منها فتاوى تحرم تبادل التهاني مع المسيحيين ولكن فضيلة شيخ الأزهر كان يقف بنفسه لمواجهة هذه الفتاوى وانكارها وغيرها من المحاولات التي لا تتوقف من أجل ضرب التوافق المصري في مرحلة الربيع العربي والتي فشلت بسبب تماسك أبناء هذا الوطن وأن هذه المحاولات لن تتوقف في محاولة من أعداء الوطن وهو الأمر الذي يتطلب من النخبة و الكتاب والمثقفين بضرورة مواجهة هذه المحاولات التي تحاول النيل من الهوية المصرية والعربية التي نتشرف بالانتماء إليها .

وقال مراد السوداني نائب الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب في كلمة :

نشكر مصر التي تحتضن الاتحادات والروابط في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ الأمة ..فمصر هي التي تحرس مكانتها بقوة المكان وعناده وعبقريته وترد الزحوف عنها
مؤكدًا أن الاحتفال بجائزتي أحمد شوقي وفؤاد حداد والإعلان عن جائزة طه حسين للفكر كل ذلك في هذا الفضاء من خلال الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب ونقابة كتاب وأدباء مصر يأتي في إطار مواجهة الفكرة الرذيلة ، كما يأتي برفض التطبيع مع الكيان المحتل ، ويؤكد أن المثقف العربي ورأس حربته مثقفو فلسطين كلهم على خيط المعني حيث نواجه جميعا في لحظة مرة غوائل الحشود الصهيونية مستهدفة فلسطين في محاولة منهم لتجزئة المجزأ وتفكيك المفكك ، التي ارادوا بصياغتهم تخليد نخبهم المضادة والمتكلمين من جيوبهم
وان الاتحاد يرفع قولته مؤمنًا بالرهان على المثقف فهو أول من يحيا وآخر من يموت ثباتا على قوة الثقافة العربية التي لا تقبل المساومة على الانقسام أو الاقتسام كحال فلسطين التي لا تقبل المساومة على القدس والأقصى

مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب يرفع لمصر بكل مكوناتها كل التقدير وأن يبقى الله هذا البلد أمنا مطمئنا.

ومن جانبه تحدث الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي عن ترحيبه بعقد هذا الاجتماع والذي يؤكد على أن المثقفين العرب مهتمين بقضايا وطنهم ، حيث قال : اتقدم بخالص تحياتي واحيي كل جهد يبذل لانقاذ الثقافة المصرية والعربية عامة وأحياء تراثها في كل العصور كما أحيي كل جهد يبذل للدفاع عن حرية الإبداع والدفاع عن حرية التفكير والتعبير ، وأعود لأحيي الجميع في هذا اللقاء الحافل الذي نعلي فيه قيمًا من حقها أن تعلوا ونكرم أسماء من حقها أن تكرم وهذه كلمة اشارك بها في الاحتفال بالشاعرين الصديقين الفائزين بجائزة أحمد شوقي الدولية للإبداع الشعري جائزة ذهبت لشاعرين حقيقيين لكل منهما مكانه في الشعر العربي المعاصر فأعطاها كل منهما كما أعطته وكم كنا نتمنى أن يشاركنا الشاعران الكبيران احتفالنا بهما لكن المرض منع محمد ابراهيم أبوسنة من الحضور ومنذ بضعة أيام رحل الشاعر الكبير شوقي بغدادي بعد حياة حافلة امتدت على مدار 95عام وتوجت بعد رحيله بهذه الجائزة الكبرى التي وجد فيها تقديرا لمقدم من تجارب فهو شاعر فذ ومناضل صلب آمن بالعدالة والحرية وغنى لهما وتفرد في سبيلها للسجن والمطاردة ، بالإضافة للشعر كان يكتب القصة والمقالة ويكتب للكبار والصغار ويخاطب السوريين والبشر أجمعين بلغة نجح أن يجمع فيها بين البساطة والعمق ونحن نحتفل به وبالشعر الذي كان بغدادي يراه عقيدة فهو الذي قال إن كتابة القصيدة ليست من الغرور ولكنها عقيدة وزهرة تنبت في مقاله الصخور .
وان الشاعر محمد ابراهيم أبوسنة يقف بين الشعراء المصريين في تجربة من أنجح التجارب في ستينيات القرن الماضي مبشرة بشاعر تميز في كل شيئ ويؤكد أن حركة التجديد التي انتظرها الشعر العربي قرونا قد نضجت وأفرزت هذه الأسماء الجديدة ولكل منهم صوته وهمومه وقضايا وهذا مايميز أبوسنة الذي بقي في شعره يتغنى بالحب والطبيعة والإنسان وتغنى أيضا للشعر أنه يغني حتى وأنه يتصور مايصير الشعور بالحزن والاغتراب وهو الذي حول الاغتراب إلى حرية ، وأهنئ الشاعرين الفائزين ومجلس أمناء الجائزة بهذا الاحتفال وأحييكم جميعًا .

وتحدث الشاعر السوري محمد الحوراني في كلمته والتي حمل فيها رسالة وداع من الشاعر السوري الراحل شوقي بغدادي قبل وفاته بأيام قائلًا :

الحضور الكريم .. قبل ثلاثة أيام وقبل أن أغادر دمشق إلى القاهرة ودعنا الشاعر الكبير شوقي بغدادي بعد معاناة من المرض والحرب الإرهابية التي شنت على سوريا وبعد معاناة من الحصار الذي فرض على سوريا ، وكعادتها سوريا واقفة تأبى أن تموت .
وقال شوقي بغدادي كان يتمنى أن يكون بيننا هنا ، وظهر ذلك في كلمته التي كتبها وسلمها لي قبل مماته والتي أسنى فيها قبل أن يفارق دنيانا على دعم مصر للشعر والادب والفكر ، وهكذا الحال في سوريا أيضاً ، وأن اختيار شوقي بغدادي فهو دليل قاطع على دعم النقابة العامة للكتاب والأدباء العرب للشعراء العرب .
كنت من صغري احب نظم الشعر وها أنا ذا وانا ابلغ التسعين ، فحبي للشعر أوصلني لشعراء مصريين كبار مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وكنت اتابع اخبارهم وكتاباتهم عبر الصحف واقتنيها .
كما حرص رحمه الله في كلمته الأخيرة التي كتبها قبل موته على توجيه تحية الى الشاعر الكبير محمد ابراهيم أبوسنة .

وحرص الشاعر الكبير مجدي نجيب على توجيه الشكر إلى أعضاء الاتحاد وعلى رأسهم الشاعر الكبير الدكتور علاء عبدالهادي الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب ، معتبرًا أن هذا الاجتماع يعد نصرًا لشعراء العامية، وأن اطلاق اسم فؤاد حداد على إحدى الجوائز فيه تخليد لاسمه وأعماله الوطنية ، فهو شاعر يصعب استنساخه ، وقد واجه كثير من الصعوبات والاعتقالات السياسية ورغم ذلك كان متفائلًا ومرحبًا للعروبة ومصر .

واختتمت فعاليات اجتماع الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب بتوزيع الجوائز على الفائزين من الشعراء المصريين والعرب ، كما تم الإعلان عن جائزة طه حسين للأدب ، كما تم الإعلان عن الحملة الشعبية لاسترداد “حجر رشيد” باعتباره قطعة غالية من أرض مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى