تحقيقات وتقاريرسلايدر

أوربا واللاجئون من الجنوب

 

غلاب الحطاب

لا أعرف متى بدأ الإنسان في استعمال السفن في نقل الأشخاص والبضائع والجنود والسلاح عبر البحار؟ ، ولكني على ثقة أنه من تاريخ صناعة أول سفينة بدأت علاقات المصريين والأوربيين السياسية والتجارية والعسكرية والإقتصادية، فأوروبا هي امتداد مصر بعد البحر المتوسط بستمائة ميل، ومصر هي الطريق الأسهل لأوروبا نحو الجنوب، ولاشك أن الكلام في التاريخ بين مصر وأوروبا مغر إلى حد كبير، فزواج كليوباترا من يوليوس قيصر كان داعيا لوحدة مصرية أوروبية لكنه انقلب إلى احتلال بعد وفاة القيصر ودخول الرومان كغزاة وليس كشركاء

غير أن العلامة الفارقة في العلاقات المصرية الأوربية كان غزو الفرنسيين لمصر عام ١٧٩٨ ، بقيادة نابليون بونابرت الذي شكل صدمة كبيرة للمصريين مازالت تجد صداها حتى اليوم في العلاقات الثقافية، غير أن أثرها الأكبر كان في لفت نظر أوروبا إلى مصر من خلال مخطط قناة السويس التي ربطت البحر الأحمر بالبحر المتوسط فكان لزاما على من يريد أن يصل إلى آسيا أن يحتل مصر ليؤمن حركة تجارته وكانت بريطانيا أسبق من الجميع لاحتلال القاهرة وما تبعه من ارتباط الاقتصاد المصري بالاقتصاد البريطاني خصوصا فيما يتعلق بزراعة القطن، التي اعتمدت عليه مصانع بريطانيا في صناعة المنسوجات ومن أجله حددت بريطانيا أنصبة الدول في وادي النيل بأن جعلت لمصر النصيب الأكبر من المياه لأن القطن في ذلك الوقت كان بالنسبة للاقتصاد البريطاني كالبترول الآن للاقتصاد الأمريكي.

وجاءت الحرب العالمية الثانية ليتحول العالم من مستعمرة أوربية إلى دول مستقطبة إما إلى أمريكا أو للاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، وخرجت أوربا ككتلة مستقلة من دائرة التاثير الذي تحرك بين واشنطن وموسكو.
وبعد العدوان الثلاثي الذي أعقب تأميم مصر لقناة السويس كره المصريون أوروبا واقتربوا من الكتلة الشرقية باعتبار الإنذار الروسي في ذلك الوقت كان أهم أداة على أثرها انسحب الفرنسيون والإنجليز من منطقة السويس مع القوات الإسرائيلية التي كانت تقوم بدور مساعد، ولتنتهي الحقبة القصيرة التي كانت إسرائيل قادرة على اتخاذ ثمة قرارات منفردة فقد أصبحت فيما بعد أداة في اليد الأمريكية بنسبة مائة بالمائة.

وفي عام ٢٠٠١ وقعت مصر وأوروبا الجديدة بعد إعلان اتحادها اتفاقية الشراكة التي أفضت إلى اتفاقية تجارة حرة محدودة بجداول سلعية معينة وقد تطورت إلى أن أصبحت أغلب إن لم يكن كل السلع الأوربية المنشأ تتمتع بإعفاء جمركي ولو بنسب معينة في طريقها إلى السوق المصري والعكس صحيح أيضا.

وقبل عدة أيام وقعت مصر وأوروبا إعلانا سياسيا له مدلولات واضحة منها:

أولا : أن أوروبا تعتبر مصر بوابة أفريقيا التي يأت منها الخير أو الشر إلى أوروبا ، والشر هنا هو بكل تأكيد موجات الهجرة الإفريقية عبر البحر المتوسط.

ثانيا : أن الحرب الروسية الأوكرانية و هي أكبر حرب في تاريخ أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ربما يمتد أثرها الاقتصادي والسياسي إلى أفريقيا مرورا بمصر دائما.

ثالثا : أن الحرب على غزة قد تنتج مشكلة لاجئين ليس فقط من القطاع المدمر وإنما من الضفة الغربية أيضا.

رابعا : أن الحرب الأهلية الدائرة في السودان أيضا قد تنتج مشكلة لاجئين عبر البحر المتوسط انطلاقا من مدن ساحلية مصرية.

إن القيام بحماية أوروبا من الجنوب لابد وأنه سيتنزف الميزانية المصرية وهو دور مرهق، وواجب أوروبا أن تعمل على إنهاء تلك الصراعات سواء بين الفلسطينين واليهود أو في السودان أو في منطقة القرن الإفريقي أو غيرها من الأماكن التي تحرك اللاجئين نحو القارة العجوز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى