سلايدرمقالات

احمد الجعبري يكتب / لولا مجون ابي نواس لاخذت منه الفقه

ابي نواس

كل مثقفي مصر هذه الأيام لا حديث لها إلا عن شذوذ أبي نواس.. وجهلوا تماما أنه صاحب ورائد مدرسة ” أعذب الشعر أكذبه ”
فهو يقول الشعر للشعر فقط.. يخرج أجمل ما عنده من جزالة وخصوبة خيالية في أروع ثوب لغوي بديع دون النظر لصدق حديثه وأشعاره أم لا.. فهذا لا يعنيه.. ويخالف تماما مدرسة المتنبي القائمة على الصدق.. ولهذا فهو أكثر من اتهم بالزندقة وادُعي عليه كذبا ولفق له الكثير والكثير من الأشعار والروايات غير الصحيحة
بالرغم أنه القائل : “يا أحمدُ المرتجى في كلّ نائبة ٍ.. قم سيدي نعْصِ جبّارَ السمواتِ” ولم يحاسبه أحد في عصر كان يسعى وراء كل زنديق مجاهر بالقتل.. ودا بيثبت مدى الحرية الفكرية الرائعة والرائدة في عصره..
أبو نواس تستطيع أن تصفه بأنه” غريق في بحر بلا ماء، ويسافر بعيدًا ويبقى مكانه؛ فهو لم يذهب إلى حيث الناس ذهبوا، واختار الوحدة والتفرد، ولهذا خلف وراءه شعرا جميل الشكل والتراكيب والصور، أما المعنى فكان مختلا دون رؤية.. غاص في ذاته، نبذ العالم.. واستسلم ليأس اللذة والشهوات ، لم يصنع خمرًا بل شرب خمرًا عصره له الآخرون، فرأى من خلاله نجوما تسكبه أيادي كالبروج تلوح أمامه، لم يأخذنا معه في نزهة إلى روضة أو نستشعر في شعره الإنسان الذي نحبه، ولهذا ” يقارن النقاد دوما بينه وبين المتنبي فيقولون ” أبو نواس شاعر تحبه ولا تحترمه والمتنبي شاعر تحترمه ولا تحبه” فهو من خدع نفسه بألفاظه، عاش في غيبوبة دائمة، طلق النهار وارتمى في حضن الليل، نسي الطريق واختلى بشيطانه..
فيا حسرة عليه و”ألف مية خسارة” كيف لهذه الفطنة أن تذهب هدرًا، كيف لهذه الموهبة أن تذهب سدى، فلم يترك وراءه لا ماء ولا خبزًا، ولم يترك لنا حلمًا، تركنا وغاب ولم يعد..
ويكفي حسرة الإمام الشافعي عليه حينما قال ” لولا مجون أبي نواس لأخذت منه الفقه” وفي النهاية أبو نواس لم يكن شاذا ولم يعشق الغلمان وحديثه عن هذا كان لغرض فنه الشعري فقط ليصور لنا البيئة العربية في العصر العباسي وما نقم بها من الترف والفساد الأخلاقي لشدة ثرائها حينها واشتهار الشذوذ الجنسي في ذلك الوقت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى